للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ بَيَانَ الْمُنْفَقِ وَالْمَنْذُورِ بِمَا فِي تَنْكِيرِ مَجْرُورَيْ (مِنْ) مِنْ إِرَادَةِ أَنْوَاعِ النَّفَقَاتِ وَالْمَنْذُورَاتِ فَأَكَّدَ بِذَلِكَ الْعُمُومِ مَا أَفَادَتْهُ مَا الشَّرْطِيَّةُ مِنَ الْعُمُومِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ، قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: «مِثْلُ هَذَا الْبَيَانِ يَكُونُ لِتَأْكِيدِ الْعُمُومِ وَمَنْعِ الْخُصُوصِ» .

وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ كِنَايَةٌ عَنِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ بِالْكَائِنَاتِ لَا يَشُكُّ فِيهِ السَّامِعُونَ، فَأُرِيدَ لَازِمُ مَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا كَانَ لَازِمًا لَهُ لِأَنَّ الْقَادِرَ لَا يَصُدُّهُ عَنِ الْجَزَاءِ إِلَّا عَدَمُ الْعِلْمِ بِمَا يَفْعَلُهُ الْمُحْسِنُ أَوِ الْمُسِيءُ.

وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ.

هَذَا وَعِيدٌ قُوبِلَ بِهِ الْوَعْدُ الَّذِي كَنَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ، وَالْمُرَادُ بِالظَّالِمِينَ الْمُشْرِكُونَ عَلَنًا وَالْمُنَافِقُونَ، لِأَنَّهُمْ إِنْ مَنَعُوا الصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةَ فَقَدْ ظَلَمُوا مَصَارِفَهَا فِي حَقِّهِمْ فِي الْمَالِ وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِإِلْقَائِهَا فِي تَبِعَاتِ الْمَنْعِ، وَإِنْ مَنَعُوا صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ فَقَدْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِحِرْمَانِهَا مِنْ فَضَائِلِ الصَّدَقَاتِ وَثَوَابِهَا فِي الْآخِرَةِ.

وَالْأَنْصَارُ جَمْعُ نَصِيرٍ، وَنَفْيُ الْأَنْصَارِ كِنَايَةٌ عَنْ نَفْيِ النَّصْرِ وَالْغَوْثِ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَفِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُمْ لَمَّا بَخِلُوا بِنَصْرِهِمُ الْفَقِيرَ بِأَمْوَالِهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ يُعْدِمُهُمُ النَّصِيرَ فِي الْمَضَائِقِ، وَيُقَسِّي عَلَيْهِمْ قُلُوبَ عِبَادِهِ، وَيُلْقِي عَلَيْهِمُ الْكَرَاهِيَةَ من النَّاس.

[٢٧١]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢٧١]

إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١)

اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ نَاشِئٌ عَنْ قَوْلِهِ: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [الْبَقَرَة: ٢٧٠] ، إِذْ أَشْعَرَ تَعْمِيمَ «مِنْ نَفَقَةٍ» بِحَالِ الصَّدَقَاتِ الْخَفِيَّةِ فَيَتَسَاءَلُ السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ هَلْ إِبْدَاءُ الصَّدَقَاتِ يُعَدُّ رِيَاءً وَقَدْ سَمِعَ قَبْلَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ [الْبَقَرَة: ٢٦٤] ،