للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَيْدِهِمْ لِلدِّينِ، فَلَا تَأْخُذْ بِنَزْغِهِ وَخُذْ بِمَا أَمَرْنَاكَ وَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَنْ يَزِلَّكَ الشَّيْطَانُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُ أَعْدَائِكَ وَهُوَ يتَوَلَّى جزاءهم.

[٣٧]

[سُورَة فصلت (٤١) : آيَة ٣٧]

وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧)

عُطِفَ عَلَى جملَة قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت: ٩] الْآيَةَ عَطْفَ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذِكْرِ خَلْقِ الْعَوَالِمِ أَنَّهَا دَلَائِلُ عَلَى انْفِرَادِ اللَّهِ بِالْإِلَهِيَّةِ، فَلِذَلِكَ أَخْبَرَ هُنَا عَنِ الْمَذْكُورَاتِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِأَنَّهَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ انْتِقَالًا فِي أَفَانِينِ الِاسْتِدْلَالِ فَإِنَّهُ انْتِقَالٌ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِذَوَاتٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِأَحْوَالٍ مِنْ أَحْوَالِ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ، فَابْتُدِئَ بِبَعْضِ الْأَحْوَالِ السَّمَاوِيَّةِ وَهِيَ حَالُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَحَالُ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَطُلُوعِ الْقَمَرِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ بَعْضَ الْأَحْوَالِ الْأَرْضِيَّةِ بِقَوْلِهِ: وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً [فصلت: ٣٩] .

وَيَدُلُّ لِهَذَا الِانْتِقَال أَنه انْتقل مِنْ أُسْلُوبِ الْغَيْبَةِ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً إِلَى قَوْلِهِ: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ [فصلت: ١٣- ٣٤] إِلَى أُسْلُوبِ خِطَابِهِمْ رُجُوعًا إِلَى خِطَابِهِمُ الَّذِي فِي قَوْله: أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ [فصلت: ٩] .

وَالْآيَاتُ: الدَّلَائِلُ، وَإِضَافَتُهَا إِلَى ضَمِيرِ اللَّهِ لِأَنَّهَا دَلِيلٌ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَعَلَى وُجُودِهِ.

وَاخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ الْقُدْرَةِ الَّتِي لَا يَفْعَلُهَا غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا جَرَمَ كَانَتْ دَلِيلًا عَلَى انْفِرَادِهِ بِالصُّنْعِ فَهُوَ مُنْفَرِدٌ بِالْإِلَهِيَّةِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٤] إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ.

وَالْمُرَادُ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ابْتِدَاءً هُنَا حَرَكَتُهُمَا الْمُنْتَظِمَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ، وَأَمَّا خَلْقُهُمَا فَقَدْ عُلِمَ مَنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: