فَعُلِمَ أَنَّ الْآيَةَ أَشَارَتْ إِلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْمَغَانِمِ: نَوْعٌ مِنْ مَغَانِمَ مَوْعُودَةٍ لَهُمْ قَرِيبَةِ الْحُصُولِ وَهِيَ مَغَانِمُ خَيْبَرَ، وَنَوْعٌ هُوَ مَغَانِمُ مَرْجُوَّةٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَقْتُ حُصُولِهَا، وَمِنْهَا مَغَانِمُ يَوْمِ حُنَيْنٍ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الْغَزَوَاتِ، وَنَوْعٌ هُوَ مَغَانِمُ عَظِيمَةٌ لَا يَخْطُرُ بِبَالِهِمْ نُوَالُهَا قَدْ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَعَلَّهَا مَغَانِمُ بِلَادِ الرُّومِ وَبِلَادِ الْفُرْسِ وَبِلَادِ الْبَرْبَرِ. وَفِي الْآيَةِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ هَذَا النَّوْعَ الْأَخِيرَ لَا يَنَالُهُ جَمِيعُ الْمُخَاطَبِينَ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي ذِكْرِهِ بِضَمِيرِهِمْ، وَهُوَ
الَّذِي تَأَوَّلَهُ عُمَرُ فِي عَدَمِ قِسْمَةِ سَوَادِ الْعِرَاقِ وَقَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ [الْحَشْر: ١٠] .
[٢٢، ٢٣]
[سُورَة الْفَتْح (٤٨) : الْآيَات ٢٢ إِلَى ٢٣]
وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (٢٣)
هَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ [الْفَتْح: ٢٠] عَلَى أَنَّ بَعْضَهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَبَعْضَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَمَا بَيْنَهُمَا لَيْسَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْعَطْفِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ كَفَّ أَيْدِي النَّاسِ عَنْهُمْ نِعْمَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِاسْتِبْقَاءِ قُوَّتِهِمْ وَعِدَّتِهِمْ وَنَشَاطِهِمْ. وَلَيْسَ الْكَفُّ لِدَفْعِ غَلَبَةِ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ لِلْمُسْلِمِينَ عَاقِبَةَ النَّصْرِ فَلَوْ قَاتَلَهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهَزَمَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَلَمْ يَجِدُوا نَصِيرًا، أَيْ لَمْ يَنْتَصِرُوا بِجَمْعِهِمْ وَلَا بِمَنْ يُعِينُهُمْ.
وَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ كَفَرُوا مَا أُرِيدَ بِالنَّاسِ فِي قَوْلِهِ: وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ. وَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ الْإِتْيَانَ بِضَمِيرِ النَّاسِ بِأَنْ يُقَالَ: وَلَوْ قَاتَلُوكُمْ، فَعَدَلَ عَنْهُ إِلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ لِمَا فِي الصِّلَةِ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى وَجْهِ بِنَاءِ الْخَبَرِ وَهُوَ أَنَّ الْكُفْرَ هُوَ سَبَبُ تَوْلِيَةِ الْأَدْبَارِ فِي قِتَالِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ: سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute