[سُورَة النِّسَاء (٤) : آيَة ١٤٧]
مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (١٤٧)
تَذْيِيلٌ لِكِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ: جُمْلَةِ إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ مَعَ الْجُمْلَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِاسْتِثْنَاءِ مَنْ يَتُوبُ مِنْهُمْ وَيُؤْمِنُ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قَوْلِهِ:
وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً [النِّسَاء: ١٤٦] .
وَالْخِطَابُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ جَمِيعُ الْأُمَّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْمُنَافِقِينَ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ ارْتِفَاقًا بِهِمْ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ أُرِيدَ بِهِ الْجَوَابُ بِالنَّفْيِ فَهُوَ إِنْكَارِيٌّ، أَيْ لَا يَفْعَلُ بِعَذَابِكُمْ شَيْئًا.
وَمَعْنَى يَفْعَلُ يَصْنَعُ وَيَنْتَفِعُ، بِدَلِيلِ تَعْدِيَتِهِ بِالْبَاءِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْوَعِيدَ الَّذِي تُوُعِّدَ بِهِ الْمُنَافِقُونَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، فَإِذَا تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ غَفَرَ لَهُمُ الْعَذَابَ، فَلَا يَحْسَبُوا أَنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُهُمْ لِكَرَاهَةٍ فِي ذَاتِهِمْ أَوْ تَشَفٍّ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُ جَزَاءُ السُّوءِ، لِأَنَّ الْحَكِيمَ يَضَعُ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا، فَيُجَازِي عَلَى الْإِحْسَانِ بِالْإِحْسَانِ، وَعَلَى الْإِسَاءَةِ بِالْإِسَاءَةِ، فَإِذَا أَقْلَعَ الْمُسِيءُ عَنِ الْإِسَاءَةِ أَبْطَلَ اللَّهُ جَزَاءَهُ بِالسُّوءِ، إِذْ لَا يَنْتَفِعُ بِعَذَابٍ وَلَا بِثَوَابٍ، وَلَكِنَّهَا الْمُسَبِّبَاتُ تَجْرِي عَلَى الْأَسْبَابِ. وَإِذَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ قَدْ ثَبَتُوا عَلَى إِيمَانِهِمْ وَشُكْرِهِمْ،. وَتَجَنَّبُوا مُوَالَاةَ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ، فَاللَّهُ لَا يُعَذِّبُهُمْ، إِذْ لَا مُوجِبَ لِعَذَابِهِمْ.
وَجُمْلَةُ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً اعْتِرَاضٌ فِي آخِرِ الْكَلَامِ، وَهُوَ إِعْلَامٌ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يُعَطِّلُ الْجَزَاءَ الْحَسَنَ عَنِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَشْكُرُونَ نِعَمَهُ الْجَمَّةَ، وَالْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَصِفَاتِهِ أَوَّلُ دَرَجَاتِ شُكْرِ العَبْد ربّه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute