لَا مَحَالَةَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُنْكَرٌ كَمَا قَالَهُ الْمِزِّيُّ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي قَوْلِهِ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ الْمُحَسِّنُ الْمُسَمَّى تَشَابُهُ الْأَطْرَافِ وَهُوَ إِعَادَةُ لِفْظِ الْقَافِيَةِ فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي تَلِيهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ [النُّور: ٣٥] اهـ. يُرِيدُ بِالْقَافِيَةِ مَا يَشْمَلُ الْقَرِينَةَ فِي الْأَسْجَاعِ وَالْفَوَاصِلَ فِي الْآيِ، وَمِثَالُهُ فِي الشِّعْرِ قَوْلُ لَيْلَى الْأَخْيِلِيَّةِ:
إِذَا نَزَلَ الْحَجَّاجُ أَرْضًا مَرِيضَةً ... تَتَبَّعَ أَقْصَى دَائِهَا فَشَفَاهَا
شَفَاهَا مِنَ الدَّاءِ الْعُضَالِ الَّذِي بِهَا ... غُلَامٌ إِذَا هَزَّ الْقَنَاةَ سَقَاهَا إِلَخ
[٤، ٥]
[سُورَة الْقدر (٩٧) : الْآيَات ٤ إِلَى ٥]
تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)
إِذَا ضَمَّ هَذَا الْبَيَانُ الثَّانِي لِمَا فِي قَوْلِهِ: وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ [الْقَدْرِ: ٢] مِنَ الْإِبْهَامِ التفخيمي حصل مِنْهُمَا مَا يَدُلُّ دَلَالَةً بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ مِثْلَ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ لِكُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الْأَعْوَامِ تَقَعُ فِي مِثْلِ اللَّيْلَةِ مَنْ شَهْرِ نُزُولِ الْقُرْآنِ كَرَامَةً لِلْقُرْآنِ، وَلِمَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ، وَلِلدِّينِ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ، وَلِلْأُمَّةِ الَّتِي تَتْبَعُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مُعْظَمَ السُّورَةِ كَانَ لِذِكْرِ فَضَائِلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَمَا هُوَ إِلَّا لِلتَّحْرِيضِ عَلَى تَطَلُّبِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِيهَا، فَإِنَّ كَوْنَهَا خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ أَوْمَأَ إِلَى ذَلِكَ وَبَيَّنَتْهُ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ. وَالتَّعْبِيرُ بِالْفِعْلِ الْمُضَارع فِي قَوْله:
تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ هَذَا التَّنَزُّلَ مُتَكَرِّرٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ.
وَذِكْرُ نِهَايَتِهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي بَيَانِ فَضْلِهَا فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ إِدْمَاجٌ لِلتَّعْرِيفِ بِمُنْتَهَاهَا
لِيَحْرِصَ النَّاسُ عَلَى كَثْرَةِ الْعَمَلِ فِيهَا قبل انتهائها.
لاجرم أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ الَّتِي ابْتُدِئَ فِيهَا نُزُولُ الْقُرْآنِ قَدِ انْقَضَتْ قَبْلَ أَنْ يَشْعُرَ بِهَا أَحَدٌ عَدَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ كَانَ قَدْ تَحَنَّثَ فِيهَا، وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ أَوَّلُ الْقُرْآنِ آخِرَهَا، وَانْقَلَبَ إِلَى أَهْلِهِ فِي صَبِيحَتِهَا، فَلَوْلَا إِرَادَةُ التَّعْرِيفِ بِفَضْلِ اللَّيَالِي الْمُوَافقَة لَهَا فِي كُلِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute