للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاللَّامُ فِي لَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لِلْمِلْكِ، أَيْ بِقُدْرَتِهِ تَصْرِيفُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَالنَّهَارُ يُنَاسِبُ الْحَيَاةَ وَلِذَلِكَ يُسَمَّى الْهُبُوبُ فِي النَّهَارِ بَعْثًا، وَاللَّيْلُ يُنَاسِبُ الْمَوْتَ وَلِذَلِكَ سَمَّى اللَّهُ النَّوْمَ وَفَاةً فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ [الْأَنْعَام: ٦٠] .

وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِلْقَصْرِ، أَيْ لَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَا لِغَيْرِهِ، أَيْ فَغَيْرُهُ لَا تَحِقُّ لَهُ الْإِلَهِيَّةُ.

وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَدِلَّةُ تُفِيدُ مَنْ نَظَرَ فِيهَا عِلْمًا بِأَنَّ الْإِلَهَ وَاحِدٌ وَأَنَّ الْبَعْثَ وَاقِعٌ وَكَانَ الْمَقْصُودُونَ بِالْخِطَابِ قَدْ أَشْرَكُوا بِهِ وَلَمْ يَهْتَدُوا بِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ جُعِلُوا بِمَنْزِلَةِ غَيْرِ الْعُقَلَاءِ فَأُنْكِرَ عَلَيْهِمْ عَدَمُ الْعَقْلِ بِالِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ الْمُفَرَّعِ عَلَى الْأَدِلَّةِ الْأَرْبَعَةِ بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ.

وَهَذَا تَذْيِيلٌ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٧٩] وَمَا بعده.

[٨١- ٨٣]

[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : الْآيَات ٨١ إِلَى ٨٣]

بَلْ قالُوا مِثْلَ مَا قالَ الْأَوَّلُونَ (٨١) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨٣)

هَذَا إِدْمَاجٌ لِذِكْرِ أَصْلٍ آخَرَ مِنْ أُصُولِ الشِّرْكِ وَهُوَ إِحَالَةُ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَ (بَلْ) لِلْإِضْرَابِ الْإِبْطَالِيِّ إِبْطَالًا لِكَوْنِهِمْ يَعْقِلُونَ. وَإِثْبَاتٌ لِإِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ مَعَ بَيَانِ مَا بَعَثَهُمْ عَلَى إِنْكَارِهِ وَهُوَ تَقْلِيد الْآبَاء. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ الْأَدِلَّةَ لَكِنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ أَقْوَالَ آبَائِهِمْ.

وَالْكَلَامُ جَرَى عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ انْتُقِلَ مِنَ التَّقْرِيعِ وَالتَّهْدِيدِ إِلَى حِكَايَةِ ضَلَالِهِمْ فَنَاسَبَ هَذَا الِانْتِقَالَ مَقَامُ الْغَيْبَةِ لِمَا فِي الْغَيْبَةِ مِنَ الْإِبْعَادِ فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْمُخَاطَبِينَ.