وَمَعْنَى وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُقَدِّرُ لَهُمُ الْهَدْيَ إِلَى الْإِيمَانِ لِأَجْلِ فِسْقِهِمْ، أَيْ بُعْدِهِمْ عَنِ التَّأَمُّلِ فِي أَدِلَّةِ النُّبُوءَةِ، وَعَنِ الْإِنْصَافِ فِي الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ فَمَنْ كَانَ ذَلِكَ دَيْدَنُهُ طُبِعَ عَلَى قَلْبِهِ فَلَا يَقْبَلُ الْهُدَى فَمَعْنَى لَا يَهْدِي لَا يَخْلُقُ الْهُدَى فِي قُلُوبهم.
[٨١]
[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٨١]
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ. وَهَذِهِ الْآيَةُ تُشِيرُ إِلَى مَا حَصَلَ لِلْمُنَافِقِينَ عِنْدَ الِاسْتِنْفَارِ لِغَزْوَةِ تَبُوكَ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمُخَلَّفِينَ خُصُوصُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ.
وَمُنَاسَبَةُ وُقُوعِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ فَرَحَهُمْ بِتَخَلُّفِهِمْ قَدْ قَوِيَ لَمَّا اسْتَغْفَرَ لَهُمُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظَنُّوا أَنَّهُمُ اسْتَغْفَلُوهُ فَقَضَوْا مَأْرَبَهُمْ ثُمَّ حَصَّلُوا الِاسْتِغْفَارَ ظَنًّا مِنْهُمْ بِأَنَّ مُعَامَلَةَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ تَجْرِي عَلَى ظَوَاهِرِ الْأُمُورِ.
فَالْمُخَلَّفُونَ هُمُ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ اسْتَأْذَنُوا النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنَ لَهُمْ وَكَانُوا مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَلِذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَيْهِمْ فِي الْآيَةِ وَصْفُ الْمُخَلَّفِينَ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ لِأَنَّ النَّبِيءَ خَلَّفَهُمْ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ مَا أَذِنَ لَهُمْ فِي التَّخَلُّفِ إِلَّا لِعِلْمِهِ بِفَسَادِ قُلُوبِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يُغْنُونَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا كَمَا قَالَ: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا [التَّوْبَة: ٤٧] .
وَذِكْرُ فَرَحِهِمْ دَلَالَةٌ عَلَى نِفَاقِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ لَكَانَ التَّخَلُّفُ نَكَدًا عَلَيْهِمْ وَنَغْصًا كَمَا وَقَعَ لِلثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.
وَالْمَقْعَدُ هُنَا مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ أَيْ بِقُعُودِهِمْ.
وخِلافَ لُغَةٌ فِي خَلْفَ. يُقَالُ: أَقَامَ خِلَافَ الْحَيِّ بِمَعْنَى بَعْدَهُمْ، أَيْ ظَعَنُوا وَلَمْ يَظْعَنْ. وَمِنْ نُكْتَةِ اخْتِيَارِ لَفْظِ خِلَافٍ دُونَ خَلْفَ أَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ قُعُودَهُمْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute