فِي آيَاتٍ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ [سبأ: ١٣] وَهَذِهِ أَعْمَالٌ مُتَعَارَفَةٌ. وَإِنَّمَا اخْتُصَّ سُلَيْمَانُ بِعَظَمَتِهَا مِثْلَ بِنَاءِ هَيْكَلِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَبِسُرْعَةِ إِتْمَامِهَا.
وَمَعْنَى وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ أَنَّ اللَّهَ بِقُدْرَتِهِ سَخَّرَهُمْ لِسُلَيْمَانَ وَمَنَعَهُمْ عَنْ أَنْ يَنْفَلِتُوا عَنْهُ أَوْ أَنْ يَعْصُوهُ، وَجَعَلَهُمْ يَعْمَلُونَ فِي خَفَاءٍ وَلَا يُؤْذُوا أَحَدًا مِنَ النَّاسِ فَجَمَعَ اللَّهُ بِحِكْمَتِهِ بَيْنَ تَسْخِيرِهِمْ لِسُلَيْمَانَ وَعِلْمِهِ كَيْفَ يَحْكُمُهُمْ وَيَسْتَخْدِمُهُمْ وَيُطَوِّعُهُمْ، وَجَعَلَهُمْ مُنْقَادِينَ لَهُ وَقَائِمِينَ بِخِدْمَتِهِ دُونَ عَنَاءٍ لَهُ، وَحَالَ دُونَهُمْ وَدُونَ النَّاسِ لِئَلَّا يُؤْذُوهُمْ. وَلَمَّا تُوُفِّيَ سُلَيْمَانُ لَمْ يُسَخِّرِ اللَّهُ الْجِنَّ لِغَيْرِهِ اسْتِجَابَةً لِدَعْوَتِهِ إِذْ قَالَ: وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ص: ٣٥] . وَلَمَّا مَكَّنَ اللَّهُ النَّبِيءَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجِنِّيِّ الَّذِي كَادَ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَهَمَّ بِأَنْ يَرْبُطَهُ، ذَكَرَ دَعْوَةَ سُلَيْمَانَ فَأَطْلَقَهُ فَجَمَعَ اللَّهُ لَهُ بَيْنَ التَّمْكِينِ مِنَ الْجِنِّ
وَبَيْنَ تَحْقِيقِ رَغْبَةِ سُلَيْمَانَ.
وَقَوْلُهُ لَهُمْ يَتَعَلَّقُ بِ حافِظِينَ وَاللَّامُ لَامُ التَّقْوِيَةِ. وَالتَّقْدِيرُ: حَافِظِينَهُمْ، أَيْ مَانِعِينَهْمُ عَن النَّاس.
[٨٣، ٨٤]
[سُورَة الْأَنْبِيَاء (٢١) : الْآيَات ٨٣ إِلَى ٨٤]
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤)
عَطْفٌ عَلَى وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ [الْأَنْبِيَاء: ٧٨] أَيْ وَآتَيْنَا أَيُّوبَ حُكْمًا وَعِلْمًا إِذْ نَادَى رَبَّهُ. وَتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ مَعَ مَنْ ذُكِرَ مِنَ الْأَشْيَاءِ لِمَا اخْتُصَّ بِهِ مِنَ الصَّبْرِ حَتَّى كَانَ مَثَلًا فِيهِ. وَتَقَدَّمَتْ تَرْجَمَةُ أَيُّوبَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute