وَأَمَّا الْقِصَّةُ الَّتِي أَشَارَتْ إِلَيْهَا هَذِهِ الْآيَةُ فَهِيَ الْمُفَصَّلَةُ فِي السِّفْرِ الْخَاصِّ بِأَيُّوبَ مِنْ أَسْفَارِ النَّبِيئِينَ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ. وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ كَانَ نَبِيئًا وَذَا ثَرْوَةٍ وَاسِعَةٍ وَعَائِلَةٍ صَالِحَةٍ مُتَوَاصِلَةٍ، ثُمَّ ابْتُلِيَ بِإِصَابَاتٍ لَحِقَتْ أَمْوَالَهُ مُتَتَابِعَةً فَأَتَتْ عَلَيْهَا، وَفَقَدَ أَبْنَاءَهُ السَّبْعَةَ وَبَنَاتِهِ الثَّلَاثَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَتَلَقَّى ذَلِكَ بِالصَّبْرِ وَالتَّسْلِيمِ. ثُمَّ ابْتُلِيَ بِإِصَابَةِ قُرُوحٍ فِي جَسَدِهِ وَتَلَقَّى ذَلِكَ كُلَّهُ بِصَبْرٍ وَحِكْمَةٍ وَهُوَ يَبْتَهِلُ إِلَى اللَّهِ بِالتَّمْجِيدِ وَالدُّعَاءِ بِكَشْفِ الضُّرِّ. وَتَلَقَّى رِثَاءَ أَصْحَابِهِ لِحَالِهِ بِكَلَامٍ عَزِيزِ الْحِكْمَةِ وَالْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ بِمَوَاعِظَ. ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ صِحَّتَهُ وَأَخْلَفَهُ مَالًا أَكْثَرَ مِنْ مَالِهِ وَوَلَدَتْ لَهُ زَوْجُهُ أَوْلَادًا وَبَنَاتٍ بِعَدَدِ مَنْ هَلَكُوا لَهُ مِنْ قَبْلُ.
وَقَدْ ذُكِرَتْ قِصَّتُهُ بِأَبْسَطَ مِنْ هُنَا فِي سُورَةِ ص، وَلِأَهْلِ الْقَصَصِ فِيهَا مُبَالَغَاتٌ لَا تَلِيقُ بِمَقَامِ النُّبُوءَةِ.
وَ (إِذْ) ظَرْفٌ قُيِّدَ بِهِ إِيتَاءُ أَيُّوبَ رِبَاطَةَ الْقَلْبِ وَحِكْمَةَ الصَّبْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ كَانَ أَجْلَى مَظَاهِرِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ كَمَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ الْقِصَّةُ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ [الْأَنْبِيَاء: ٧٦] فَصَارَ أَيُّوبُ مَضْرِبَ الْمَثَلِ فِي الصَّبْرِ.
وَقَوْلِهِ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ- بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ- عَلَى تَقْدِيرِ بَاءِ الْجَرِّ، أَيْ نَادَى ربه بِأَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ.
وَالْمَسُّ: الْإِصَابَةُ الْخَفِيفَةُ. وَالتَّعْبِيرُ بِهِ حِكَايَةً لِمَا سَلَكَهُ أَيُّوبُ فِي دُعَائِهِ مِنَ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ إِذْ جَعَلَ مَا حَلَّ بِهِ مِنَ الضُّرِّ كَالْمَسِّ الْخَفِيفِ.
وَالضُّرُّ- بِضَمِّ الضَّادِ- مَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَرْءُ فِي جَسَدِهِ مِنْ مرض أَو هزال، أَوْ فِي مَالِهِ مِنْ نَقْصٍ وَنَحْوِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute