للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَبَبَ ذَلِكَ الِاضْطِرَابِ هُوَ تَزْيِينُ الشَّيْطَانِ لَهُمْ سُوءَ أَعْمَالِهِمْ، أُفِيدَ بِأَنَّ دَوَامَهُمْ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ أَمْسَكَ عَنْهُمُ اللُّطْفَ وَالتَّوْفِيقَ، الَّذَيْنِ بِهِمَا يَتَفَطَّنُ الضَّالُّ لِضَلَالِهِ فيقلع عَنهُ، جزاءا لَهُمْ عَلَى مَا أَسْلَفُوهُ مِنَ الْكُفْرِ، فَلَمْ يَزَالُوا فِي دَرَكَاتِ الضَّلَالِ إِلَى أَقْصَى غَايَةٍ.

وَالْإِظْهَارُ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ بِقَوْلِهِ: الْقَوْمَ الْكافِرِينَ لِقَصْدِ إِفَادَةِ التَّعْمِيمِ الَّذِي يَشْمَلُهُمْ وَغَيْرَهُمْ، أَيْ: هَذَا شَأْنُ اللَّهِ مَعَ جَمِيعِ الْكَافِرِينَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ حُرْمَةَ الْأَزْمَانِ وَالْبِقَاعِ إِنَّمَا تُتَلَقَّى عَنِ الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ لِأَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ هَذَا الْعَالَمَ هُوَ الَّذِي يَسُنُّ لَهُ نِظَامَهُ فَبِذَلِكَ تَسْتَقِرُّ حُرْمَةُ كُلِّ ذِي حُرْمَةٍ فِي نُفُوسِ جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ عَمَلٌ لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، فَإِذَا أُدْخِلَ عَلَى مَا جَعَلَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ تَغْيِيرٌ تَقَشَّعَتِ الْحُرْمَةُ مِنَ النُّفُوسِ فَلَا يَرْضَى فَرِيقٌ بِمَا وَضَعَهُ غَيْرُهُ مِنَ الْفِرَقِ، فَلِذَلِكَ كَانَ النَّسِيءُ زِيَادَةً فِي الْكُفْرِ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَوْضَاعِ الَّتِي اصْطَلَحَ عَلَيْهَا النَّاسُ، كَمَا اصْطَلَحُوا عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ بِتَلْقِينِ عَمْرِو ابْن لُحَيٍّ.

وَقَدْ أَوْحَى اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْعَامَ الَّذِي يَحُجُّ فِيهِ يُصَادِفُ يَوْمُ الْحَجِّ مِنْهُ يَوْمَ تِسْعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، عَلَى الْحِسَابِ الَّذِي يَتَسَلْسَلُ مِنْ يَوْمِ خَلْقِ اللَّهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَأَنَّ فِيهِ يَنْدَحِضُ أَثَرُ النَّسِيءِ وَلِذَلِكَ

قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ»

، قَالُوا فَصَادَفَتْ حَجَّةُ أَبِي بَكْرٍ سَنَةَ تِسْعٍ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي شَهْرِ ذِي الْقَعْدَةِ بِحِسَابِ النَّسِيءِ، فَجَاءَتْ حَجَّةُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ فِي الْحِسَابِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض.

[٣٨]

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٣٨]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (٣٨)

هَذَا ابْتِدَاءُ خِطَابٍ لِلْمُؤْمِنِينَ لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بِطَرِيقَةِ العتاب على التباطؤ بِإِجَابَةِ دَعْوَةِ النَّفِيرِ إِلَى الْجِهَادِ، وَالْمَقْصُودُ بِذَلِكَ غَزْوَةُ تَبُوكَ. قَالَ ابْنُ