للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَوْجِيهُ عَطْفِ فَيُحِلُّوا عَلَى مَجْرُورِ لَامِ التَّعْلِيلِ فِي قَوْله: لِيُواطِؤُا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ هُوَ تَنْزِيلُ الْأَمْرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْعِلَّةِ مَنْزِلَةَ الْمَقْصُودِ مِنَ التَّعْلِيلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصْدُ صَاحِبِهِ بِهِ التَّعْلِيلَ، عَلَى طَرِيقَةِ التَّهَكُّمِ وَالتَّخْطِئَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [الْقَصَص: ٨] .

وَالْإِتْيَانُ بِالْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ: عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ دُونَ أَنْ يُعَبِّرَ بِنَحْوِ عِدَّةِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، لِلْإِشَارَةِ إِلَى تَعْلِيلِ عَمَلِهِمْ فِي اعْتِقَادِهِمْ بِأَنَّهُمْ حَافَظُوا عَلَى عِدَّةِ الْأَشْهُرِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعْظِيمًا. فَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالتَّهَكُّمِ بِهِمْ.

وَالْإِظْهَارُ فِي قَوْلِهِ: فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ دُونَ أَنْ يُقَالَ فَيُحِلُّوهُ، لِزِيَادَةِ التَّصْرِيحِ بِتَسْجِيلِ شَنَاعَةِ عَمَلِهِمْ، وَهُوَ مُخَالَفَتُهُمْ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِبْطَالُهُمْ حُرْمَةَ بَعْضِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، تِلْكَ الْحُرْمَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ يُحَرِّمُونَ بَعْضَ الْأَشْهُرِ الْحَلَالِ حِفَاظًا عَلَى عِدَّةِ الْأَشْهُرِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى.

وَجُمْلَةُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا: لِأَنَّ مَا حُكِيَ مِنِ اضْطِرَابِ حَالِهِمْ يُثِيرُ سُؤَالَ السَّائِلِينَ عَنْ سَبَبِ هَذَا الضِّغْثِ مِنَ الضلال الَّذِي تملأوه فَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ، أَيْ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ زَيَّنَ لَهُمْ سُوءَ أَعْمَالِهِمْ فَحَسَّنَ لَهُمُ الْقَبِيحَ.

وَالتَّزْيِينُ التَّحْسِينُ، أَيْ جَعْلُ شَيْءٍ زَيْنًا، وَهُوَ إِذًا يَسْنِدُ إِلَى مَا لَا تَتَغَيَّرُ حَقِيقَتُهُ فَلَا

يَصِيرُ حَسَنًا، يُؤْذِنُ بِأَنَّ التَّحْسِينَ تَلْبِيسٌ. وَتَقَدَّمَ التَّزْيِينُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢١٢] . وَقَوْلِهِ: كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٠٨] .

وَفِي هَذَا الِاسْتِئْنَافِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِحَالِهِمُ الْعَجِيبَةِ حَتَّى يَزُولَ تَعَجُّبُ السَّامِعِ مِنْهَا.

وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ فَهِيَ مَشْمُولَةٌ لِمَعْنَى الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّعْلِيلُ لِتِلْكَ الْحَالَةِ الْغَرِيبَةِ، لِأَنَّ التَّعْجِيبَ مِنْ تِلْكَ الْحَالَةِ يَسْتَلْزِمُ التَّعْجِيبَ مِنْ دَوَامِهِمْ عَلَى ضَلَالِهِمْ وَعَدَمِ اهْتِدَائِهِمْ إِلَى مَا فِي صَنِيعِهِمْ مِنَ الِاضْطِرَابِ، حَتَّى يُقْلِعُوا عَنْ ضَلَالِهِمْ، فَبَعْدَ أَنْ أُفِيدَ السَّائِلُ بِأَنَّ