للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢٧٣]

لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لَا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣)

لِلْفُقَراءِ مُتَعَلِّقٌ بـ تنفقون الْأَخير، وَتَعَلُّقُهُ بِهِ يُؤذن بتعلّق مَعْنَاهُ بِنَظَائِرِهِ الْمُقَدَّمَةِ، فَمَا مِنْ نَفَقَةٍ ذُكِرَتْ آنِفًا إِلَّا وَهِيَ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّ الْجُمَلَ قَدْ عَضَّدَ بَعْضُهَا بَعْضًا.

والَّذِينَ أُحْصِرُوا أَيْ حُبِسُوا وَأُرْصِدُوا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِسَبِيلِ اللَّهِ هُنَا

الْجِهَادُ فَإِنْ كَانَ نُزُولُهَا فِي قَوْمٍ جُرِحُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فصاروا زمنى فَفِي للسبيبة وَالضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ الْمَشْيُ لِلْجِهَادِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ أَحِقَّاءُ بِأَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهِمْ لِعَجْزِهِمُ الْحَاصِلِ بِالْجِهَادِ وَإِنْ كَانُوا قَوْمًا بِصَدَدِ الْقِتَالِ يَحْتَاجُونَ للمعونة، فَفِي لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلَ الصُّفَّةِ (١) ، وَهُمْ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالهمْ بِمَكَّة وجاؤوا دَارَ الْهِجْرَةِ لَا يَسْتَطِيعُونَ زِرَاعَةً وَلَا تِجَارَةً، فَمَعْنَى أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عِيقُوا عَنْ أَعْمَالِهِمْ لِأَجْلِ سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ الْهِجْرَة، فَفِي لِلتَّعْلِيلِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أَهْلَ الصُّفَّةِ كَانُوا يَخْرُجُونَ فِي كُلِّ سِرِّيَّةٍ يَبْعَثُهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ فَسَبِيلُ اللَّهِ هُوَ الْجِهَادُ. وَمَعْنَى «أُحْصِرُوا» عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أُرْصِدُوا. وَ (فِي) بَاقِيَةٌ عَلَى التَّعْلِيلِ.

وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً أَنَّهُمْ عَاجِزُونَ عَنِ التِّجَارَةِ لِقِلَّةِ ذَاتِ الْيَدِ، وَالضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ كِنَايَةٌ عَنِ التَّجَرِ لِأَنَّ شَأْنَ التَّاجِرِ أَنْ يُسَافِرَ لِيَبْتَاعَ وَيَبِيعَ فَهُوَ يَضْرِبُ الْأَرْضَ بِرِجْلَيْهِ أَوْ دَابَّتِهِ.


(١) الصّفة- بِضَم الصَّاد وَتَشْديد الْفَاء- بهو وَاسع طَوِيل السّمك، وَهُوَ مَوضِع بناه النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِد النَّبَوِيّ بِالْمَدِينَةِ كالرواق ليأوي إِلَيْهِ فُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين خَرجُوا من أَمْوَالهم بِمَكَّة وَكَانُوا أَرْبَعمِائَة فِي عَددهمْ وَكَانُوا يقلون ويكثرون، مِنْهُم أَبُو ذَر جُنْدُب الْغِفَارِيّ وَمِنْهُم أَبُو هُرَيْرَة. وَمِنْهُم جعيل بن سراقَة الضمرِي وَلم أَقف على غَيرهم. وَذكر مرتضى فِي «شرح الْقَامُوس» أَنه جمع من أسمائهم اثْنَيْنِ وَتِسْعين، وَعَن أبي ذَر كُنَّا إِذا أمسينا حَضَرنَا بَاب رَسُول الله فيأمر كل رجل فَيَنْصَرِف بِرَجُل وَيبقى من بَقِي مَعَ رَسُول الله عشرَة أَو أقل يُؤْتى رَسُول الله بعشائه فنتعشى مَعَه فَإِذا فَرغْنَا قَالَ لنا: نَامُوا فِي الْمَسْجِد، كَانَ هَذَا فِي صدر أَيَّام الْهِجْرَة ثمَّ فتح الله على الْمُسلمين فاستغنوا وَخَرجُوا ودامت الصّفة حَيَاة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد عد أَبُو هُرَيْرَة من أَصْحَابهَا وَهُوَ أسلم عَام خَيْبَر.