يَكُونَ فِرْعَوْنُ قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ، أَوْ بِالْأَيْمَانِ، أَوْ أُقْسِمُ. وَفِعْلُ اتَّخَذْتَ لِلِاسْتِمْرَارِ، أَيْ أَصْرَرْتَ عَلَى أَنَّ لَكَ إِلَهًا أَرْسَلَكَ وَأَنْ تَبْقَى جَاحِدًا لِلْإِلَهِ فِرْعَوْنَ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ مَعْدُودًا إِلَهًا لِلْأُمَّةِ لِأَنَّهُ يُمَثِّلُ الْآلِهَةَ وَهُوَ الْقَائِمُ بِإِبْلَاغِ مُرَادِهَا فِي الْأُمَّةِ، فَهُوَ الْوَاسِطَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُمَّةِ.
وَمَعْنَى: لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ لَأَسْجُنُنَّكَ، فَسَلَكَ فِيهِ طَرِيقَةَ الْإِطْنَابِ لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِمَقَامِ التَّهْدِيدِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مَعْنَى لَأَجْعَلَنَّكَ وَاحِدًا مِمَّنْ عَرَفْتَ أَنَّهُمْ فِي سِجْنِي، فَالْمَقْصُودُ تَذْكِيرُ مُوسَى بِهَوْلِ السَّجْنِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّرْكِيبِ يُفِيدُ تَمَكُّنَ الْخَبَرِ مِنَ الْمُخْبَرِ عَنْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦٧] . وَقَدْ كَانَ السِّجْنُ عِنْدَهُمْ قَطْعًا لِلْمَسْجُونِ عَنِ التَّصَرُّفِ بِلَا نِهَايَةٍ، فَكَانَ لَا يَدْرِي مَتَى يَخْرُجُ مِنْهُ قَالَ تَعَالَى: فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ [يُوسُف:
٤٢] .
[٣٠- ٣٣]
[سُورَة الشُّعَرَاء (٢٦) : الْآيَات ٣٠ إِلَى ٣٣]
قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣)
لَمَّا رَأَى مُوسَى مِنْ مُكَابَرَةِ فِرْعَوْنَ عَنِ الِاعْتِرَافِ بِدَلَالَةِ النَّظَرِ مَا لَا مَطْمَعَ مَعَهُ إِلَى الِاسْتِرْسَالِ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِأَنَّهُ مُتَعَامٍ عَنِ الْحَقِّ عَدَلَ مُوسَى إِلَى إِظْهَارِ آيَةٍ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَةِ دَلَالَةً عَلَى صِدْقِهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَبْلَ وُقُوعِهِ لِيَسُدَّ عَلَيْهِ مَنَافِذَ ادِّعَاءِ عَدَمِ الرِّضَى بِهَا.
وَاسْتَفْهَمَهُ اسْتِفْهَامًا مَشُوبًا بِإِنْكَارٍ وَاسْتِغْرَابٍ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ اجْتِزَاءِ فِرْعَوْنَ بِالشَّيْءِ
الْمُبِينِ، وَأَنَّهُ سَاجِنُهُ لَا مَحَالَةَ إِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِإِلَهِيَّةِ فِرْعَوْنَ، قَطْعًا لِمَعْذِرَتِهِ مِنْ قَبْلِ الْوُقُوعِ.
وَهَذَا التَّقْدِيرُ دَلَّتْ عَلَيْهِ لَوْ الْوَصْلِيَّةُ الَّتِي هِيَ لَفَرْضِ حَالَةٍ خَاصَّةٍ. فَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ:
أَوَلَوْ جِئْتُكَ وَاوُ الْحَالِ، وَالْمُسْتَفْهَمُ عَنْهُ بِالْهَمْزَةِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ أَنَّ الْكَلَامَ جَوَابُ قَوْلِ فِرْعَوْنَ لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [الشُّعَرَاء: ٢٩] والتَّقْدِيرُ: أَتَجْعَلُنِي مِنَ الْمَسْجُونِينَ وَالْحَالُ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ، إِذِ الْقَصْدُ الِاسْتِفْهَامُ عَنِ الْحَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا شَرْطُ لَوْ بِأَنَّهَا أَوْلَى الْحَالَاتِ بِأَنْ لَا يَثْبُتَ مَعَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute