وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ لِأَنَّ الْحَالَةَ الْعَجِيبَةَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يُسْتَفْهَمَ عَنْ وُقُوعِهَا اسْتِفْهَامَ تَحْقِيقٍ وَتَثْبِيتٍ لِنَبَئِهَا إِذْ لَا يَكَادُ يُصَدِّقُ بِهِ، فَاسْتِعْمَالُ الِاسْتِفْهَامِ فِي التَّعْجِيبِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ فِي التَّرْكِيبِ. وَمَجِيءُ الِاسْتِفْهَامِ فِي التَّعْجِيبِ كَثِيرٌ نَحْوُ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ [الْغَاشِيَةِ: ١] .
وَالرُّؤْيَةُ عِلْمِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى: أَعْجَبُ مَا حَصَلَ لَكَ مِنَ الْعِلْمِ قَالَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةً لِأَنَّهَا حِكَايَةُ أَمْرٍ وَقَعَ فِي الْخَارِجِ وَالْخِطَابُ فِي أَرَأَيْتَ لِغَيْرٍ مُعَيَّنٍ.
وَالْمُرَادُ بِالْعَبْدِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَإِطْلَاقُ الْعَبْدِ هُنَا على معنى الْوَاحِد مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَيْ شَخْصٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ [الْإِسْرَاء: ٥] ، أَيْ رِجَالًا. وَعَدَلَ عَنِ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِضَمِيرِ الْخِطَابِ لِأَنَّ التَّعْجِيبَ مِنْ نَفْسِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ خُصُوصِيَّةِ الْمُصَلِّي. فَشُمُولُهُ لِنَهْيِهِ عَنْ صَلَاةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْقَعُ، وَصِيغَةُ
الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ: يَنْهى لِاسْتِحْضَارِ الْحَالَةِ الْعَجِيبَةِ وَإِلَّا فَإِنَّ نَهْيَهُ قَدْ مَضَى.
وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَحْذُوفٌ يُغْنِي عَنْهُ تَعْلِيقُ الظَّرْفِ بِفِعْلِ يَنْهى أَي نَهَاهُ عَن صلَاته.
[١١- ١٢]
[سُورَة العلق (٩٦) : الْآيَات ١١ إِلَى ١٢]
أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢)
تَعْجِيبٌ آخَرُ من حَال مَفْرُوض وُقُوعُهُ، أَيْ أَتَظُنُّهُ يَنْهَى أَيْضًا عَبْدًا مُتَمَكِّنًا مِنَ الْهُدَى فَتَعْجَبُ مِنْ نَهْيِهِ. وَالتَّقْدِيرُ: أَرَأَيْتَهُ إِنْ كَانَ الْعَبْدُ عَلَى الْهُدَى أَيَنْهَاهُ عَنِ الْهُدَى، أَوْ إِنْ كَانَ الْعَبْدُ آمِرًا بِالتَّقْوَى أَيَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الظَّنُّ بِهِ فَيَعْجَبُ الْمُخَاطَبُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ يَنْهَى عَنِ الصَّلَاةِ وَهِيَ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ نَهَى عَنِ الْهُدَى، وَيُوشِكُ أَنْ يَنْهَى عَنْ أَن يَأْمر أحد بِالتَّقْوَى.
وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ وَأَتَى بِحَرْفِ الشَّرْطِ الَّذِي الْغَالِبُ فِيهِ عَدَمُ الْجَزْمِ بِوُقُوعِ فِعْلِ الشَّرْطِ مُجَارَاةً لِحَالِ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute