وَجُمْلَةُ: إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى
مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُقَدِّمَةِ وَالْمَقْصِدِ وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ مَرْجِعُ الطَّاغِي إِلَى اللَّهِ، وَهَذَا مَوْعِظَةٌ وَتَهْدِيدٌ عَلَى سَبِيلِ التَّعْرِيضِ لِمَنْ يَسْمَعُهُ مِنَ الطُّغَاةِ، وَتَعْلِيمٌ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَثْبِيتٌ لَهُ، أَيْ لَا يَحْزُنْكَ طُغْيَانُ الطَّاغِي فَإِنَّ مَرْجِعَهُ إِلَيَّ، وَمَرْجِعُ الطَّاغِي إِلَى الْعَذَابِ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً [النبأ: ٢١، ٢٢] وَهِي مَوْعِظَةٌ لِلطَّاغِي بِأَنَّ غِنَاهُ لَا يَدْفَعُ عَنْهُ الْمَوْتَ، وَالْمَوْتُ: رُجُوعٌ إِلَى اللَّهِ كَقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق: ٦] .
وَفِيهِ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّ اسْتِغْنَاءَهُ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ لِأَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى اللَّهِ فِي أَهَمِّ أُمُورِهِ وَلَا يَدْرِي مَاذَا يُصَيِّرُهُ إِلَيْهِ رَبُّهُ مِنَ الْعَوَاقِبِ فَلَا يَزِدْهُ بِغِنًى زَائِفٍ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ فَيَكُونُ:
الرُّجْعى
مُسْتَعْمَلًا فِي مَجَازِهِ، وَهُوَ الِاحْتِيَاجُ إِلَى الْمَرْجُوعِ إِلَيْهِ، وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ (إِنَّ) مُرَاعًى فِيهِ الْمَعْنَى التَّعْرِيضِيُّ لِأَنَّ مُعظم الطغاة ينسون هَذِهِ الْحَقِيقَةَ بِحَيْثُ يُنْزِلُونَ مَنْزِلَةَ مَنْ يُنْكِرُهَا.
والرُّجْعى
: بِضَمِّ الرَّاءِ مَصْدَرُ رَجَعَ عَلَى زِنَةِ فُعْلَى مِثْلُ الْبُشْرَى.
وَتَقْدِيمُ إِلى رَبِّكَ
عَلَى الرُّجْعى
لِلِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ.
وَجُمْلَةُ: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى إِلَى آخِرِهَا هِيَ الْمَقْصُودُ مِنَ الرَّدْعِ الَّذِي أَفَادَهُ حَرْفُ كَلَّا، فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا مُتَّصِلًا بِاسْتِئْنَافِ جُمْلَةِ:
إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى والَّذِي يَنْهى اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ أَبُو جَهْلٍ إِذْ قَالَ قَوْلًا يُرِيدُ بِهِ نَهْيَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ فِي نَادِيهِ: لَئِنْ رَأَيْتَ مُحَمَّدًا يُصَلِّي فِي الْكَعْبَةِ لَأَطَأَنَّ عَلَى عُنُقِهِ. فَإِنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ أَنْ يَبْلُغَ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ تَهْدِيدٌ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ نَهَاهُ مشافهة.
وأَ رَأَيْتَ كَلِمَةُ تَعْجِيبٍ مِنْ حَالٍ، تُقَالُ لِلَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهُ رَأَى حَالًا عَجِيبَةً. وَالرُّؤْيَةُ عِلْمِيَّةٌ، أَيْ أَعَلِمْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا وَالْمُسْتَفْهَمُ عَنْهُ هُوَ ذَلِكَ الْعِلْمُ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي لِ «رَأَيْتَ» مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْجُمَلِ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى [العلق: ١٤] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute