وَبِهَذَا الْعُمُومِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحَصْرُ صَارَتِ الْجُمْلَةُ أَيْضًا فِي مَعْنَى التذييل لما قبلهَا كُلَّهُ.
وَمُقْتَضَى وُقُوع فعل يَدْعُوا فِي حَيِّزِ الْقَصْرِ أَنَّ مَفْعُولَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: حِزْبَهُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْقَصْرِ، أَيْ أَنَّهُ يَدْعُو حِزْبَهُ وَلَا يَدْعُو غَيْرَ حِزْبِهِ، وَالشَّيْطَانُ يَدْعُو النَّاسَ كُلَّهُمْ سَوَاءً فِي ذَلِكَ حِزْبُهُ وَمَنْ لَمْ يَرْكَنْ إِلَى دَعْوَتِهِ إِلَّا أَنَّ أَثَرَ دَعْوَتِهِ لَا يَظْهَرُ إِلَّا فِي الَّذِينَ يَرْكَنُونَ لَهُ فَيَصِيرُونَ حِزْبَهُ قَالَ تَعَالَى لَهُ: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ [الْحجر: ٤٢] . وَحَكَى اللَّهُ عَنِ الشَّيْطَانِ بِقَوْلِهِ: لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [الْحجر: ٣٩، ٤٠] فَتَعَيَّنَ أَنَّ فِي الْكَلَامِ إِيجَازَ حَذْفٍ. وَالتَّقْدِيرُ: إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ دَعْوَةً بَالِغَةً مَقْصِدَهُ. وَالْقَرِينَةُ هِيَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّحْذِيرِ وَلَوْ كَانَ لَا يَدْعُو إِلَّا حِزْبَهُ لَمَا كَانَ لِتَحْذِيرِ غَيْرِهِمْ فَائِدَةٌ.
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ يجوز أَن تكون لَامَ الْعِلَّةِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَكُونُ سَاعِيًا لِغَايَةِ إِيقَاعِ الْآدَمِيِّينَ فِي الْعَذَابِ نِكَايَةً بِهِمْ، وَهِيَ عِلَّةٌ لِلدَّعْوَةِ مَخْفِيَّةٌ فِي خَاطِرِهِ الشَّيْطَانِيِّ وَإِنْ كَانَ لَا يَجْهَرُ بِهَا لِأَنَّ إِخْفَاءَهَا مِنْ جُمْلَةِ كَيْدِهِ وَتَزْيِينِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لَامَ الْعَاقِبَةِ وَالصَّيْرُورَةِ مِثْلَ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [الْقَصَص: ٨] قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَدْعُهُمْ إِلَى السَّعِيرِ إِنَّمَا اتَّفَقَ أَنْ صَار أَمرهم عَن دُعَائِهِ إِلَى ذَلِكَ.
والسَّعِيرِ: النَّارُ الشَّدِيدَةُ، وَغَلَبَ فِي لِسَانِ الشَّرْع على جنهم.
[٧]
[سُورَة فاطر (٣٥) : آيَة ٧]
الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ يُفِيدُ مَفَادَ الْفَذْلَكَةِ وَالِاسْتِنْتَاجِ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَهَذَا الِاسْتِئْنَاف يومىء إِلَى أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا هُمْ حِزْبُ الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ حِزْبَهُ مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ وَحَكَمَ هُنَا بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ عُلِمَ أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ إِذْ هُوَ الْعَذَابُ الشَّدِيدُ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ حِزْبُ الشَّيْطَانِ بِطَرِيقَةِ قِيَاسٍ مَطْوِيٍّ، فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمْ حِزْبُ الشَّيْطَانِ لِعُكُوفِهِمْ عَلَى مُتَابَعَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلِنُوا ذَلِكَ لِاقْتِنَاعِهِ مِنْهُمْ بِمُلَازَمَةِ مَا يُمْلِيهِ عَلَيْهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute