للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُمْلَةُ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ عَطْفٌ عَلَيْهَا مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَرَّرَتْهُ الْجُمْلَةُ قَبْلَهَا فَإِنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِالْعَلَاءِ وَالْعَظَمَةِ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَزِيزًا لَتَخَلَّفَ عَلَاؤُهُ وَعَظَمَتُهُ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا حَكِيمًا لَأَنَّ عَلَاءَهُ يَقْتَضِي سُمُوَّهُ عَنْ سَفَاسِفِ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَظِيمًا لَتَعَلَّقَتْ إِرَادَتُهُ بِسَفَاسِفِ الْأُمُورِ وَلَتَنَازَلَ إِلَى عَبَثِ الْفِعَالِ.

وَالْعُلُوُّ هُنَا عُلُوٌّ مَجَازِيٌّ، وَهُوَ السُّمُوُّ فِي الْكَمَالِ بِحَيْثُ كَانَ أَكْمَلَ مِنْ كُلِّ مَوْجُودٍ كَامِلٍ. وَالْعَظَمَةُ مَجَازِيَّةٌ وَهِيَ جَلَالَةُ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ. وَأَفَادَتْ صِيغَةُ الْجُمْلَةِ مَعْنَى

الْقَصْرِ، أَيْ لَا عَلِيَّ وَلَا عَظِيمَ غَيْرُهُ لِأَنَّ مَنْ عَدَاهُ لَا يَخْلُو عَنِ افْتِقَارٍ إِلَيْهِ فَلَا عُلُوَّ لَهُ وَلَا عَظَمَةَ. وَهَذَا قَصْرُ قَلْبٍ، أَيْ دُونَ آلِهَتِكُمْ فَلَا عُلُوَّ لَهَا كَمَا تَزْعُمُونَ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: اعْلُ هُبَلُ.

وَتَقَدَّمَ مَعْنَى هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ فِي خِلَالِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

[٥]

[سُورَة الشورى (٤٢) : آيَة ٥]

تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥)

يَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ.

جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُقَرِّرَةٌ لِمَعْنَى جُمْلَةِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [الشورى: ٤] وَلِذَلِكَ لَمْ تُعْطَفْ عَلَيْهَا، أَيْ يَكَادُ السَّمَاوَاتُ عَلَى عَظَمَتِهِنَّ يَتَشَقَّقْنَ مِنْ شِدَّةِ تَسَخُّرِهِنَّ فِيمَا يُسَخِّرُهُنَّ اللَّهُ لَهُ مِنْ عَمَلٍ لَا يُخَالِفُ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ لَهُنَّ، وَأَيْضًا قَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى: يَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ كَثْرَةِ مَا فِيهِنَّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْكَوَاكِبِ وَتَصَارِيفِ الْأَقْدَارِ، فَيَكُونُ فِي مَعْنَى

قَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَطَّتِ السَّمَاءُ وَبِحَقِّهَا أَنْ تَئِطَّ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا فِيهِ جَبْهَةُ مَلَكٍ سَاجِدٍ يُسَبِّحُ اللَّهَ بِحَمْدِهِ»

(١) وَيُرَجِّحُهُ تَعْقِيبُهُ بَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ كَمَا سَيَأْتِي.

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحْدَهُ وَالْكِسَائِيُّ يَكَادُ بِتَحْتِيَّةٍ فِي أَوَّلِهِ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِفَوْقِيَّةٍ وَهُمَا وَجْهَانِ جَائِزَانِ فِي الْفِعْلِ الْمُسْنَدِ إِلَى جَمْعٍ غَيْرِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ وَخَاصَّةً مَعَ عَدَمِ التَّأْنِيثِ الْحَقِيقِيِّ. وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ [٩٠] قَوْلُهُ: يَكَادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ.


(١) أخرجه ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس وَهُوَ حَدِيث حسن.