وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يَتَفَطَّرْنَ بِتَحْتِيَّةٍ ثُمَّ فَوْقِيَّةٌ وَأَصْلُهُ مُضَارِعُ التَّفَطُّرِ، وَهُوَ مُطَاوِعُ التَّفْطِيرِ الَّذِي هُوَ تَكْرِيرُ الشَّقِّ. وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَيَعْقُوبُ بِتَحْتِيَّةٍ ثُمَّ نُونٍ وَهُوَ مُضَارِعُ: انْفَطَرَ، مُطَاوِعُ الْفَطْرِ مَصْدَرِ فَطَرَ الثُّلَاثِيِّ، إِذَا شَقَّ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ قَبُولَ أَثَرِ الْفَاعِلِ إِذْ لَا فَاعِلَ هُنَا لِلشَّقِّ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْخَبَرُ بِحُصُولِ الْفِعْلِ، وَهَذَا كَثِيرٌ، كَقَوْلِهِمُ: انْشَقَّ ضَوْءُ الْفَجْرِ، فَلَا الْتِفَاتَ هُنَا لِمَا يُقْصَدُ غَالِبًا فِي مَادَّةِ التَّفَعُّلِ مِنْ تَكْرِيرِ الْفِعْلِ إِذْ لَا فَاعِلَ لِلشَّقِّ هُنَا وَلَا لِتَكَرُّرِهِ، فَاسْتَوَتِ الْقِرَاءَتَانِ فِي بَابِ الْبَلَاغَةِ، عَلَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ صِيَغِ الْمُطَاوَعَةِ فِي اللُّغَةِ ذُو أَنْحَاءَ كَثِيرَةٍ وَاعْتِبَارَاتٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّضِيِّ
فِي «شَرْحِ الشَّافِيَةِ» .
وَقَوْلُهُ: مِنْ فَوْقِهِنَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ فَوْقِهِنَّ عَائِدًا عَلَى السَّماواتُ، فَيَكُونَ الْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ يَتَفَطَّرْنَ بِمَعْنَى: أَنَّ انْشِقَاقَهُنَّ يَحْصُلُ مِنْ أَعْلَاهُنَّ، وَذَلِكَ أَبْلَغُ الِانْشِقَاقِ لِأَنَّهُ إِذَا انْشَقَّ أَعْلَاهُنَّ كَانَ انْشِقَاقُ مَا دُونَهُ أَوْلَى، كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٥٩] وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ [٤٥] .
وَتَكُونُ مِنْ ابْتِدَائِيَّةً.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى الْأَرْضِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما فِي الْأَرْضِ [الشورى: ٤] عَلَى تَأْوِيلِ الْأَرْضِ بِأَرَضِينَ بِاعْتِبَارِ أَجْزَاءِ الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ أَوْ بِتَأْوِيلِ الْأَرْضِ بِسُكَّانِهَا من بَاب وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يُوسُف: ٨٢] .
وَتَكُونُ مِنْ زَائِدَةً زِيَادَتَهَا مَعَ الظُّرُوفِ لِتَأْكِيدِ الْفَوْقِيَّةِ، فَيُفِيدُ الظَّرْفُ اسْتِحْضَارَ حَالَةِ التَّفَطُّرِ وَحَالَةِ مَوْقِعِهِ، وَقَدْ شُبِّهَ انْشِقَاقُ السَّمَاءِ بِانْشِقَاقِ الْوَرْدَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ [الرَّحْمَن: ٣٧] . وَالْوَرْدَةُ تَنْشَقُّ مِنْ أَعْلَاهَا حِينَ يَنْفَتِحُ بِرْعُومُهَا فَيُوشِكُ إِنْ هُنَّ تَفَطَّرْنَ أَنْ يَخْرِرْنَ عَلَى الْأَرْضِ، أَيْ يَكَادُ يَقَعُ ذَلِكَ لِمَا فَشَا فِي الْأَرْضِ مِنْ إِشْرَاكٍ وَفَسَادٍ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا يَكَادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا [مَرْيَم: ٨٨- ٩٠] وَيُرَجِّحُهُ قَوْلُهُ الْآتِي: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ [الشورى: ٦] . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَكَادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً [الْبَقَرَة: ١١٦] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute