للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِ يَقْتَرِفُونَ مَفْعُولًا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا اكْتِسَابَ الشَّرِّ، وَلَمْ يَقُلْ: سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ لِقَصْدِ تَأْكِيدِ مَعْنَى الْإِثْمِ. يُقَالُ: قَرِفَ وَاقْتَرَفَ وَقَارَفَ. وَصِيغَةُ الِافْتِعَالِ وَصِيغَةُ الْمُفَاعَلَةِ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَهَذِهِ الْمَادَّةُ تُؤْذِنُ بِأَمْرٍ ذَمِيمٍ. وَحَكَوْا أَنَّهُ يُقَالُ: قَرِفَ فُلَانٌ لِعِيَالِهِ، أَيْ كَسِبَ، وَلَا أَحْسِبُهُ صَحِيحًا.

وَجِيءَ فِي صِلَةِ الْمَوْصُولِ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَمَكُّنِهِمْ فِي ذَلِكَ الِاقْتِرَافِ وثباتهم فِيهِ.

[١١٤]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ١١٤]

أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤)

اسْتِئْنَافٌ بِخِطَابٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَقْدِيرِ الْأَمْرِ بِالْقَوْلِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [الْبَقَرَة: ٢٨٥] أَيْ يَقُولُونَ. وَقَوْلُهُ الْمُتَقَدِّمُ آنِفًا قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ [الْأَنْعَام: ١٠٤] بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ عَنْ تَصَارِيفِ عِنَادِ الْمُشْرِكِينَ، وَتَكْذِيبِهِمْ. وَتَعَنُّتِهِمْ فِي طَلَبِ الْآيَاتِ الْخَوَارِقِ، إِذْ جَعَلُوهَا حَكَمًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي صِدْقِ دَعْوَتِهِ، وَبَعْدَ أَنْ فَضَحَهُمُ اللَّهُ بِعَدَاوَتِهِمْ لِرَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَافْتِرَائِهِمْ عَلَيْهِ، وَأمر رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ وَتَرْكِهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ، وَأَعْلَمَهُ بِأَنَّهُ مَا كَلَّفَهُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لِإِيمَانِهِمْ، وَبِأَنَّهُمْ سَيَرْجِعُونَ إِلَى رَبِّهِمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ لَقَّنَ الله رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخَاطِبَهُمْ خِطَابًا كَالْجَوَابِ عَنْ أَقْوَالِهِمْ وَتَوَرُّكَاتِهِمْ، فَيُفَرَّعُ عَلَيْهَا أَنَّهُ لَا يَطْلُبُ حَاكِمًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى، الَّذِي إِلَيْهِ مَرْجِعُهُمْ،