للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اسْتِتَابَةُ الْمُرْتَدِّ قَبْلَ قَتْلِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تُعْرَضُ عَلَيْهِ فِيهَا التَّوْبَةُ، وَشُرِعَتْ دَعْوَةُ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يَغْزُوهُمُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي غَزْوِهِمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا وَإِلَّا عَرَضَ عَلَيْهِمُ الدُّخُولَ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ فِي دُخُولهمْ فِي الذِّمَّةَ انْتِفَاعًا لِلْمُسْلِمِينَ بِجِزْيَتِهِمْ وَالِاعْتِضَادِ بِهِمْ.

وَأَمَّا قَتْلُ الْقَاتِلِ عَمْدًا فَشُرِعَ فِيهِ مُجَارَاةً لِقَطْعِ الْأَحْقَادِ مِنْ قُلُوبِ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ لِئَلَّا يَقْتُلَ بَعْضُ الْأُمَّةِ بَعْضًا، إِذْ لَا دَوَاءَ لِتِلْكَ الْعِلَّةِ إِلَّا الْقِصَاصُ. وَلِذَلِكَ رَغَّبَ الشَّرْعُ فِي الْعَفْوِ وَفِي قَبُولِهِ. وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي آيَةِ جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَاربُونَ الله وَرُسُله: أَنَّ (أَوْ) فِيهَا لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ فَقَالَ: يَكُونُ الْجَزَاءُ بِقَدْرِ جُرْمِ الْمُحَارِبِ وَكَثْرَةِ مَقَامِهِ فِي فَسَادِهِ. وَكَانَ النَّفْيُ مِنَ الْأَرْضِ آخَرَ أَصْنَافِ الْجَزَاءِ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِبْقَاءَهُ رَجَاءَ تَوْبَتِهِ وَصَلَاح حَاله.

[٦٢]

[سُورَة الْأَحْزَاب (٣٣) : آيَة ٦٢]

سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (٦٢)

انْتَصَبَ سُنَّةَ اللَّهِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ نَائِبٌ عَنْ فِعْلِهِ. وَالتَّقْدِيرُ: سَنَّ اللَّهُ إِغْرَاءَكَ بِهِمْ سُنَّتَهُ فِي أَعْدَاءِ الْأَنْبِيَاءِ السَّالِفِينَ وَفِي الْكُفَّارِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قُتِلُوا وَأُخِذُوا فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَغَيْرِهَا.

وَحَرْفُ فِي لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ، شُبِّهَتِ السُّنَّةُ الَّتِي عُومِلُوا بِهَا بِشَيْءٍ فِي وَسَطِهِمْ كِنَايَةً عَنْ تَغَلْغُلِهِ فِيهِمْ وتناوله جَمِيعَهُمْ وَلَوْ جَاءَ الْكَلَامُ عَلَى غَيْرِ الْمَجَازِ لَقِيلَ: سُنَّةُ اللَّهِ مَعَ الَّذيِنَ خَلَوْا.

والَّذِينَ خَلَوْا الَّذِينَ مَضَوْا وَتَقَدَّمُوا. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مَنْ سَبَقُوا مِنْ أَعْدَاءِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ أَذِنَهُ اللَّهُ بِقَتْلِهِمْ مِثْلَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَمِثْلَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ يَهُودِ قُرَيْظَةَ. وَهَذَا أَظْهَرُ لِأَنَّ مَا أَصَابَ أُولَئِكَ أَوْقَعُ فِي الْمَوْعِظَةِ إِذْ كَانَ هَذَانِ الْفَرِيقَانِ عَلَى ذِكْرٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَقَدْ شَهِدُوا بَعْضَهُمْ وَبَلَغَهُمْ خَبَرُ بَعْضٍ.

وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَشْمَلَ الَّذِينَ خَلَوْا الْأُمَمَ السَّالِفَةَ الَّذِينَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لِأَذَاهُمْ رُسُلَهُمْ فَاسْتَأْصَلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلَ قَوْمِ فِرْعَوْنَ وَأَضْرَابِهِمْ.