للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَكُونَ حَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ دَخَلَ عَلَى الظَّرْفِ وَالْحَالِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ [الْأَحْزَاب: ٥٣] . وَبَوْنٌ مَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا نَظَّرَهُ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا يَصْلُحُ مَجِيءُ الْحَالِ مِنْهُ. وَالْوَجْهُ هُنَا هُوَ مَا سَلَكْنَاهُ فِي تَقْدِيرِ نَظْمِهِ.

وَاللَّعْنُ: الْإِبْعَادُ وَالطَّرْدُ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [٣٥] ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ هُنَا كِنَايَةً عَنِ الْإِهَانَةِ وَالتَّجَنُّبِ فِي الْمَدِينَةِ، أَيْ يُعَامِلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ بِتَجَنُّبِهِمْ عَنْ مُخَالَطَتِهِمْ وَيَبْتَعِدُونَ هُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اتِّقَاءً وَوَجَلًا فَتَضْمَنُ أَنْ يَكُونُوا مُتَوَارِينَ مُخْتَفِينَ خَوْفًا مِنْ بَطْشِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِمْ حَيْثُ أَغْرَاهُمُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفِي قَوْلِهِ:

مَلْعُونِينَ إِيجَازٌ بَدِيعٌ.

وَقَوْلُهُ: أَيْنَما ثُقِفُوا ظَرْفٌ مُضَافٌ إِلَى جُمْلَةٍ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِ مَلْعُونِينَ لِأَنَّ مَلْعُونِينَ حَالٌ مِنْهُمْ بَعْدَ صِفَتِهِمْ بِأَنَّهُمْ فِي الْمَدِينَةِ، فَأَفَادَ عُمُومَ أَمْكِنَةِ الْمَدِينَةِ.

وأَيْنَما: اسْمُ زَمَانٍ مُتَضَمِّنٌ مَعْنَى الشَّرْطِ. وَالثَّقَفُ: الظَّفَرُ وَالْعُثُورُ عَلَى الْعَدُوِّ بِدُونِ قَصْدٍ. وَقَدْ مَهَّدَ لِهَذَا الْفِعْلِ قَوْلُهُ: مَلْعُونِينَ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَمَعْنَى أُخِذُوا أُمْسِكُوا. وَالْأَخْذُ: الْإِمْسَاكُ وَالْقَبْضُ، أَيْ أُسِرُوا، وَالْمُرَادُ:

أُخِذَتْ أَمْوَالُهُمْ إِذْ أَغْرَى اللَّهُ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ.

وَالتَّقْتِيلُ: قُوَّةُ الْقَتْلِ. وَالْقُوَّةُ هُنَا بِمَعْنَى الْكَثْرَةِ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْكَثِيرَ قَوِيٌّ فِي أَصْنَافِ

نَوْعِهِ وَأَيْضًا هُوَ شَدِيدٌ فِي كَوْنِهِ سَرِيعًا لَا إِمْهَالَ لَهُمْ فِيهِ.

وتَقْتِيلًا مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِعَامِلِهِ، أَيْ قُتِّلُوا قَتْلًا شَدِيدًا شَامِلًا. فَالتَّأْكِيدُ هُنَا تَأْكِيدٌ لِتَسَلُّطِ الْقَتْلِ عَلَى جَمِيعِ الْأَفْرَادِ الْمَدْلُولَةِ لِضَمِيرِ قُتِّلُوا، لِرَفْعِ احْتِمَالِ الْمَجَازِ فِي عُمُومِ الْقَتْلِ، فَالْمَعْنَى: قُتِّلُوا قَتْلًا شَدِيدًا لَا يَفْلِتُ مِنْهُ أَحَدٌ.

وَبِهَذَا الْوَعِيدِ انْكَفَّ الْمُنَافِقُونَ عَنْ أَذَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَنِ الْإِرْجَافِ فَلَمْ يَقَعِ التَّقْتِيلُ فِيهِمْ إِذْ لَمْ يُحْفَظْ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ مِنْهُمْ أَحَدًا وَلَا أَنَّهُمْ خَرَجَ مِنْهُمْ أَحَدٌ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ تُرْشِدُ إِلَى تَقْدِيمِ إِصْلَاحِ الْفَاسِدِ مِنَ الْأُمَّةِ عَلَى قَطْعِةٍ مِنْهَا لِأَنَّ إِصْلَاحَ الْفَاسِدِ يُكْسِبُ الْأُمَّةَ فَرْدًا صَالِحًا أَوْ طَائِفَةً صَالِحَةً تَنْتَفِعُ الْأُمَّةُ مِنْهَا كَمَا

قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُهُ»

. وَلِهَذَا شُرِعَتْ