للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاللَّامُ فِي لَئِنْ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ، فَالْكَلَامُ بَعْدَهَا قَسَمٌ مَحْذُوفٌ. وَالتَّقْدِيرُ: وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ.

وَاللَّامُ فِي لَنُغْرِيَنَّكَ لَامُ جَوَابِ الْقَسَمِ، وَجَوَابُ الْقَسَمِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ.

وَالْإِغْرَاءُ: الْحَثُّ وَالتَّحْرِيضُ عَلَى فِعْلٍ. وَيَتَعَدَّى فِعْلُهُ بِحرف (على) وبالباء، وَالْأَكْثَرُ أَنَّ تَعْدِيَتَهُ بِ (عَلَى) تُفِيدُ حَثًّا عَلَى الْفِعْلِ مُطْلَقًا فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَأَنَّ تَعْدِيَتَهُ بِالْبَاءِ تُفِيدُ حَثًّا عَلَى الْإِيقَاعِ بِشَخْصٍ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْمُلَابَسَةِ. فَالْمُغْرَى عَلَيْهِ مُلَابِسٌ لِذَاتِ الْمَجْرُورِ بِالْبَاءِ، أَيْ وَاقِعًا عَلَيْهَا. فَلَا يُقَالُ: أَغْرَيْتُهُ بِهِ، إِذَا حَرَّضَهُ عَلَى إِحْسَانٍ إِلَيْهِ.

فَالْمَعْنَى: لَنُغْرِيَنَّكَ بِعُقُوبَتِهِمْ، أَيْ بِأَنْ تُغْرِيَ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا فَإِذَا حَلَّ ذَلِكَ بِهِمُ انْجَلُوا عَنِ الْمَدِينَةِ فَائِزِينَ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ.

وَاخْتِيرَ عَطْفُ جُمْلَةِ لَا يُجاوِرُونَكَ بِ ثُمَّ دُونَ الْفَاءِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَرَاخِي انْتِفَاءِ الْمُجَاوَرَةِ عَنِ الْإِغْرَاءِ بِهِمْ تَرَاخِي رُتْبَةٍ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنَ الْأَوْطَانِ أَشَدُّ عَلَى النُّفُوسِ مِمَّا

يَلْحَقُهَا مِنْ ضُرٍّ فِي الْأَبْدَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ [الْبَقَرَة: ١٩١] أَيْ وَفِتْنَةُ الْإِخْرَاجِ مِنْ بَلَدِهِمْ أَشُدُّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْقَتْلِ.

وَاسْتِثْنَاءُ إِلَّا قَلِيلًا لِتَأْكِيدِ نَفْيِ الْمُجَاوِرَةِ وَأَنه لَيْسَ جَارِيا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ لَا يَبْقُونَ مَعَكَ فِي الْمَدِينَةِ إِلَّا مُدَّةً قَلِيلَةً، وَهِيَ مَا بَيْنَ نُزُولِ الْآيَةِ وَالْإِيقَاعِ بِهِمْ. وقَلِيلًا صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ يُجاوِرُونَكَ أَيْ جِوَارًا قَلِيلًا، وَقِلَّتُهُ بِاعْتِبَارِ مُدَّةِ زَمَنِهِ. وَجَعَلَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» صِفَةً لِزَمَنٍ مَحْذُوفٍ فَإِنَّ وُقُوعَ ضَمِيرِهِمْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ يَقْتَضِي إِفْرَادَهُمْ، وَعُمُومُ الْأَشْخَاصِ يَقْتَضِي عُمُومَ أَزْمَانِهَا فَيَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْوَصْفِ لِاسْمِ الزَّمَانِ وَلَيْسَ هُوَ ظَرْفًا.

ومَلْعُونِينَ حَالٌ مِمَّا تَضَمَّنَهُ قَلِيلًا مِنْ مَعْنَى الْجِوَارِ. فَالْجِوَارُ مَصْدَرُ يَتَحَمَّلُ ضَمِيرَ صَاحِبِهِ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَصْدَرِ أَنْ يُضَافَ إِلَى فَاعِلِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: إِلَّا جِوَارَهُمْ مَلْعُونِينَ.

وَجَعَلَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» مَلْعُونِينَ مُسْتَثْنًى مِنْ أَحْوَالٍ بِأَنْ