بِغَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَى تَهْدِيدِهِمْ بِعِقَابٍ فِي الدُّنْيَا يَشْرَعُهُ اللَّهُ لَهُمْ إِنْ هُمْ لَمْ يُقْلِعُوا عَنْ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِأَنْ لَا يَنْفَعَ فِي أُولَئِكَ وَعِيدُ الْآخِرَةِ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ، وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ ابْتُدِئَ التَّعْرِيضُ بِهِمْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: عَظِيماً [الْأَحْزَاب: ٥٣] ، ثُمَّ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِلَى قَوْلِهِ: ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الْأَحْزَاب: ٥٧- ٥٩] .
وَصَرَّحَ هُنَا بِمَا كُنِّيَ عَنْهُ فِي الْآيَاتِ السَّالِفَةِ إِذْ عبر عَنْهُم بِالْمُنَافِقِينَ فَعُلِمَ أَنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ هُمُ الْمُنَافِقُونَ وَمَنْ لُفَّ لِفَّهُمْ.
والَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قَدْ ذَكَرْنَاهُمْ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ وَهُمُ الْمُنْطَوُونَ عَلَى النِّفَاقِ أَوِ التَّرَدُّدِ فِي الْإِيمَانِ.
والْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ، فَالْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ، قَالَهُ أَبُو رَزِينٍ.
وَجُمْلَةُ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ. وَحُذِفَ مَفْعُولُ يَنْتَهِ لِظُهُورِهِ، أَيْ لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ أَذَى الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ.
وَالْإِرْجَافُ: إِشَاعَةُ الْأَخْبَارِ. وَفِيهِ مَعْنَى كَوْنِ الْأَخْبَارِ كَاذِبَةً أَوْ مُسِيئَةً لِأَصْحَابِهَا يُعِيدُونَهَا فِي الْمَجَالِسِ لِيَطْمَئِنَّ السَّامِعُونَ لَهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ بِأَنَّهَا صَادِقَةٌ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ إِنَّمَا تُقْصَدُ لِلتَّرْوِيجِ بِشَيْءٍ غَيْرِ وَاقِعٍ أَوْ مِمَّا لَا يُصَدَّقُ بِهِ لِاشْتِقَاقِ ذَلِكَ مِنَ الرَّجْفِ وَالرَّجَفَانِ وَهُوَ الِاضْطِرَابُ وَالتَّزَلْزُلُ.
فَالْمُرْجِفُونَ قَوْمٌ يَتَلَقَّوْنَ الْأَخْبَارَ فَيُحَدِّثُونَ بهَا فِي مجَالِس وَنَوَادٍ وَيُخْبِرُونَ بِهَا مَنْ يَسْأَلُ وَمَنْ لَا يَسْأَلُ. وَمَعْنَى الْإِرْجَافُ هُنَا: أَنَّهُمْ يُرْجِفُونَ بِمَا يُؤْذِي النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَيَتَحَدَّثُونَ عَنْ سَرَايَا الْمُسْلِمِينَ فَيَقُولُونَ: هُزِمُوا أَوْ أَسْرَعَ فِيهِمُ الْقَتْلُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِإِيقَاعِ الشَّكَّ فِي نُفُوسِ النَّاسِ وَالْخَوْفِ وَسُوءِ ظَنِّ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ. وَهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرِضٌ وَأَتْبَاعِهِمْ وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٨٣] .
فَهَذِهِ الْأَوْصَافُ لِأَصْنَافٍ مِنَ النَّاسِ. وَكَانَ أَكْثَرُ الْمُرْجِفِينَ مِنَ الْيَهُودِ وَلَيْسُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَقِبَهُ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ لَا يُسَاعِدُ أَنَّ فِيهِمْ مُؤْمِنِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute