لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ [النَّحْل: ٢٥] .
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، ذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سنّ الْقَتْل»
. [٣٩]
[سُورَة النَّجْم (٥٣) : آيَة ٣٩]
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ مَا سَعى (٣٩)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [النَّجْم: ٣٨] ، فَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ عَطْفًا عَلَى الْمَجْرُورِ بِالْبَاءِ فَتَكُونَ (أَنْ) مُخَفِّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ عَطْفًا عَلَى أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى فَتَكُونَ أَنْ تَفْسِيرِيَّةً، وَعَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ تَكُونُ أَنْ تَأْكِيدًا لِنَظِيرَتِهَا فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا.
وَتَعْرِيفُ الْإِنْسَانِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، وَوُقُوعُهُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ يُفِيدُ الْعُمُومَ، وَالْمَعْنَى: لَا يَخْتَصُّ بِهِ إِلَّا مَا سَعَاهُ.
وَالسَّعْيُ: الْعَمَلُ وَالِاكْتِسَابُ، وَأَصْلُ السَّعْيِ: الْمَشْيُ، فَأُطْلِقَ عَلَى الْعَمَلِ مَجَازًا مُرْسَلًا أَوْ كِنَايَةً. وَالْمُرَادُ هُنَا عَمَلُ الْخَيْرِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ لَامِ الِاخْتِصَاصِ وَبِأَنْ جُعِلَ مُقَابِلًا لِقَوْلِهِ: أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [النَّجْم: ٣٨] .
وَالْمَعْنَى: لَا تَحْصُلُ لِأَحَدٍ فَائِدَةُ عَمَلٍ إِلَّا مَا عَمِلَهُ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ عَمَلُ غَيْرِهِ، وَلَامُ الِاخْتِصَاصِ يُرَجِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا سَعَاهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ ذِكْرُ هَذَا تَتْمِيمًا لِمَعْنَى أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، احْتِرَاسًا مِنْ أَنْ يَخْطُرَ بِالْبَالِ أَنَّ الْمَدْفُوعَ عَنْ غَيْرِ فَاعِلِهِ هُوَ الْوِزْرُ، وَأَنَّ الْخَيْرَ يَنَالُ غَيْرَ فَاعِلِهِ.
وَمَعْنَى الْآيَةِ مَحْكِيٌّ فِي الْقُرْآنِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ عَنْهُ: إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشُّعَرَاء: ٨٩] .
وَهَذِهِ الْآيَةُ حِكَايَةٌ عَنْ شَرْعَيْ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى، وَإِذْ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ، تَدُلُّ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ عَمَلَ أحد لَا يجزىء عَنْ أَحَدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute