»
. [٢٣٠]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢٣٠]
فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠)
فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ.
تَفْرِيعٌ مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ: الطَّلاقُ مَرَّتانِ [الْبَقَرَة: ٢٢٩] وَمَا بَيْنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الِاعْتِرَاضِ، عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَهُ يُكْسِبُهُ تَأْثِيرًا فِي تَفْرِيعِ هَذَا عَلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنَّ بَعْدَ الْمَرَّتَيْنِ تخييرا بني الْمُرَاجَعَةِ وَعَدَمِهَا، فَرَتَّبَ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُرَاجَعَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِالْإِمْسَاكِ فَإِنْ طَلَّقَها وَهُوَ يَدُلُّ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ فَإِنْ رَاجَعَهَا فَطَلَّقَهَا لِبَيَانِ حُكْمِ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ. وَقَدْ تَهَيَّأَ السَّامِعُ لِتَلَقِّيَ هَذَا الْحُكْمُ مِنْ قَوْلِهِ: الطَّلاقُ مَرَّتانِ [الْبَقَرَة:
٢٢٩] إِذْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِك بَيَان لآخر عَدَدٍ فِي الرُّجْعَى وَأَنَّ مَا بَعْدَهُ بَتَاتٌ، فَذِكْرُ قَوْلِهِ: فَإِنْ طَلَّقَها زِيَادَةٌ فِي الْبَيَانِ، وَتَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ: فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ إِلَخْ فَالْفَاءُ إِمَّا عاطفة لجملة فَإِنْ طَلَّقَها عَلَى جملَة فَإِمْساكٌ [الْبَقَرَة: ٢٢٩] بِاعْتِبَارِ مَا فِيهَا مِنْ قَوْلِهِ فَإِمْساكٌ، إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْإِمْسَاكِ الْمُرَاجَعَةَ وَمِنَ التَّسْرِيحِ عَدَمَهَا، أَيْ فَإِنْ أَمْسَكَ الْمُطَلِّقُ أَيْ رَاجَعَ ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِمَّا فَصِيحَةٌ لِبَيَانِ قَوْلِهِ: أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ [الْبَقَرَة: ٢٢٩] ، إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ التَّسْرِيحِ إِحْدَاثَ الطَّلَاقِ، أَيْ فَإِنِ ازْدَادَ بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ فَسَرَّحَ فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ، وَإِعَادَةُ هَذَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِيُرَتَّبَ عَلَيْهِ تَحْرِيمُ الْمُرَاجَعَةِ إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، تَصْرِيحًا بِمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: الطَّلاقُ مَرَّتانِ وَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِالطَّلَاقِ هُنَا دُونَ التَّسْرِيحِ لِلْبَيَانِ وَلِلتَّفَنُّنِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَلَا يعوزك توزيعه عَلَيْهِمَا، وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ رَاجِعٌ لِلْمُطَلِّقِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ: الطَّلاقُ مَرَّتانِ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ رَاجِعٌ لِلْمُطَلَّقَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنَ الطَّلَاقِ أَيْضًا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ [الْبَقَرَة: ٢٢٩] .
وَالْآيَةُ بَيَانٌ لِنِهَايَةِ حَقِّ الْمُرَاجَعَةِ صَرَاحَةً، وَهِيَ إِمَّا إِبْطَالٌ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَتَشْرِيعٌ إِسْلَامِيٌّ جَدِيدٌ، وَإِمَّا نَسْخٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ إِذَا صَحَّ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي «سُنَنِهِ» ، فِي بَاب نسخ الْمُرَاجَعَةِ بَعْدَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَنُسِخَ ذَلِكَ وَنَزَلَ الطَّلاقُ مَرَّتانِ.
وَلَا يَصح بِحَالٍ عَطْفُ قَوْلِهِ: فَإِنْ طَلَّقَها عَلَى جُمْلَةِ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا [الْبَقَرَة: ٢٢٩] ، وَلَا صِدْقُ الضَّمِيرَيْنِ عَلَى مَا صَدَقَتْ عَلَيْهِ ضَمَائِرُ إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما، وفَلا جُناحَ عَلَيْهِما لِعَدَمِ صِحَّةِ تَعَلُّقِ حُكْمِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ
بَعْدُ
بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ قَوْلِهِ: وَلا يَحِلُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute