للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحَرَجِ، وَمَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ يَسْتَدِلُّ بِمَوْضِعِ صَلَاةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِهِ لِأَنَّ الله أذن لرَسُوله بِالصَّلَاةِ فِيهِ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالك أَن جِبْرِيل هُوَ الَّذِي أَقَامَ للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبْلَةَ مَسْجِدِهِ.

وَبَيَّنَ الْمَازِرِيُّ مَعْنَى الْمُسَامَتَةِ بِأَنْ يَكُونَ جُزْءٌ مِنْ سَطْحِ وَجْهِ الْمُصَلَّى وَجُزْءٌ مِنْ سَمْتِ الْكَعْبَةِ طَرَفَيْ خَطٍّ مُسْتَقِيمٍ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ بِكَوْنِ صَفِّ الْمُصَلِّينَ كَالْخَطِّ الْمُسْتَقِيمِ الْوَاصِلِ بَين طرفِي خطين مُتَبَاعِدَيْنِ خَرَجَا مِنَ الْمَرْكَزِ إِلَى الْمُحِيطِ فِي جِهَتِهِ لِأَنَّ كُلَّ نُقْطَةٍ مِنْهُ مَمَرٌّ لِخَارِجٍ مِنَ الْمَرْكَزِ إِلَى الْمُحِيطِ اهـ، وَاسْتَبْعَدَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا الْكَلَامَ بِأَنَّ تَكْلِيفَ الْبَعِيدِ اسْتِقْبَالَ عَيْنِ الْبَيْتِ لَا يُطَاقُ، وَبِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى صِحَّةِ ذَوِي صَفٍّ مِائَةِ ذِرَاعٍ وَعَرْضُ الْبَيْتِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ فَبَعْضُ هَذَا الصَّفِّ خَارج عَن سمت الْبَيْتِ قَطْعًا وَوَافَقَهُ الْقَرَافِيُّ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ الْبَيْتَ لِمُسْتَقْبِلِيهِ كَمَرْكَزِ دَائِرَةٍ لِمُحِيطِهَا وَالْخُطُوطُ الْخَارِجَةُ مِنْ مَرْكَزٍ لِمُحِيطِهِ كُلَّمَا قَرُبَتْ مِنْهُ اتَّسَعَتْ وَلَا سِيَّمَا فِي الْبُعْدِ. فَإِذَا طَالَتِ الصُّفُوفُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا مُتَوَجِّهِينَ نَحْوَ الْجِهَةِ الَّتِي يُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِأَنَّهَا قِبْلَةُ الصَّلَاةِ.

وَمَنْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ أَوْ نَسِيَ الِاسْتِقْبَالَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَةُ صَلَاتِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا اسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا مَا لَمْ يَخْرُجِ الْوَقْتُ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْمُكَلَّفِ هُوَ الِاجْتِهَادُ فِي اسْتِقْبَالِ الْجِهَةِ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ أَبَدًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَرَى أَنَّ فَرْضَ الْمُكَلَّفِ هُوَ إِصَابَةُ سَمْتِ الْكَعْبَةِ.

[١٤٣]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ١٤٣]

وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٤٣)

وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.

هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ [الْبَقَرَة: ١٤٢] إِلَخْ وَجُمْلَةِ: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَخْ، وَالْوَاو اعْتِرَاضِيَّةٌ وَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الْوَاوِ الِاسْتِئْنَافِيَّةِ، فَالْآيَةُ السَّابِقَةُ لَمَّا أَشَارَتْ إِلَى أَنَّ الَّذِينَ هُدُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ هُمُ الْمُسْلِمُونَ وَأَنَّ ذَلِكَ فَضْلٌ لَهُمْ نَاسَبَ أَنْ يَسْتَطْرِدَ لِذِكْرِ فَضِيلَةٍ أُخْرَى لَهُمْ هِيَ خَيْرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ وَهِيَ فَضِيلَةُ كَوْنِ الْمُسْلِمِينَ عُدُولًا خِيَارًا