مَحْكِيٌّ لَفْظُهَا، أَيْ تَدْرُسُونَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ كَمَا جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ [الصافات: ٧٨، ٧٩] أَيْ تَدْرُسُونَ جُمْلَةَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ.
وَيَكُونُ فِيهِ تَوْكِيدًا لَفْظِيًّا لِنَظِيرِهَا مِنْ قَوْلِهِ: فِيهِ تَدْرُسُونَ، قَصَدَ مِنْ إِعَادَتِهَا مَزِيدَ رَبْطِ الْجُمْلَةِ بِالَّتِي قَبْلَهَا كَمَا أُعِيدَتْ كَلِمَةُ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً [النَّحْل: ٦٧] وَأَصْلُهُ: تَتَّخِذُونَ سَكَرًا.
وتَخَيَّرُونَ أَصْلُهُ تَتَخَيَّرُونَ بِتَاءَيْنِ، حُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا تَخْفِيفًا. وَالتَّخَيُّرُ: تَكَلُّفُ الْخَيْرِ، أَيْ تَطَلُّبُ مَا هُوَ فِي أَخْيَرِ. وَالْمَعْنَى: إِنَّ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ لَكُمْ مَا تَخْتَارُونَ مِنْ خير الْجَزَاء.
[٣٩]
[سُورَة الْقَلَم (٦٨) : آيَة ٣٩]
أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩)
أَمْ لِلْانْتِقَالِ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ نَفْيُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُ زَعْمِهِمْ عَهْدًا أَخَذُوهُ عَلَى اللَّهِ لِأَنْفُسِهِمْ أَنْ يُعَامِلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا يَحْكُمُونَ بِهِ لِأَنْفُسِهِمْ، فَالْاسْتِفْهَامُ اللَّازِمُ تَقْدِيرَهُ بَعْدَ أَمْ إِنْكَارِيٌّ وبالِغَةٌ مُؤَكَّدَةٌ. وَأَصْلُ الْبَالِغَةِ: الْوَاصِلَةُ إِلَى مَا يُطْلَبُ بِهَا، وَذَلِكَ اسْتِعَارَةٌ لِمَعْنَى مُغْلِظَةٍ، شُبِّهَتْ بِالشَّيْءِ الْبَالِغِ إِلَى نِهَايَةِ سَيْرِهِ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ [الْأَنْعَام: ١٤٩] .
وَقَوْلُهُ: عَلَيْنا صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِ أَيْمانٌ أَيْ أَقْسَمْنَاهَا لَكُمْ لِإِثْبَاتِ حَقِّكُمْ عَلَيْنَا.
وإِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ صِفَةٌ ثَالِثَةٌ لِ أَيْمانٌ، أَيْ أَيْمَانٌ مُؤَبَّدَةٌ لَا تَحِلَّةَ مِنْهَا فَحَصَلَ مِنَ الْوَصْفَيْنِ أَنَّهَا عُهُودٌ مُؤَكَّدَةٌ وَمُسْتَمِرَّةٌ طُولَ الدَّهْرِ، فَلَيْسَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مُنْتَهَى الْأَخْذِ بِتِلْكَ الْأَيْمَانِ بَلْ هُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى التَّأْيِيدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ [٥] .
وَيَتَعَلَّقُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ بِالْاسْتِقْرَارِ الَّذِي فِي الْخَبَرِ فِي قَوْلِهِ: لَكُمْ أَيْمانٌ وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute