وَلَمَّا كَانَ ضَمِيرُ بَيْنَهُمْ عَائِدًا إِلَى عِبَادِي كَانَ الْمَعْنَى التَّحْذِيرَ مِنْ إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ تَحْقِيقًا لِمَقْصِدِ الشَّرِيعَةِ مِنْ بَثِّ الْأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ.
رَوَى الْوَاحِدِيُّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ شَتَمَهُ أَعْرَابِيٌّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَشَتَمَهُ عُمَرُ وَهَمَّ بِقَتْلِهِ فَكَادَ أَنْ يُثِيرَ فِتْنَةً فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَأَيًّا مَا كَانَ سَبَبُ النُّزُولِ فَهُوَ لَا يُقَيِّدُ إِطْلَاقَ صِيغَةِ الْأَمْرِ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَقُولُوا الَّتِي أَحْسَنُ فِي كُلِّ حَالٍ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ، وَعلة الْعِلَّةِ عِلَّةٌ.
وَذِكْرُ (كَانَ) لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ صِفَةَ الْعَدَاوَةِ أَمْرٌ مُسْتَقِرٌّ فِي خِلْقَتِهِ قَدْ جُبِلَ عَلَيْهِ.
وَعَدَاوَتُهُ لِلْإِنْسَانِ مُتَقَرِّرَةٌ مِنْ وَقْتِ نَشْأَةِ آدَمَ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وَأَنَّهُ يُسَوِّلُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُغْلِظُوا عَلَى الْكُفَّارِ بِوَهْمِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ نَصْرٌ لِلدِّينِ لِيُوقِعَهُمْ فِي الْفِتْنَةِ، فَإِنَّ أَعْظَمَ كَيْدِ الشَّيْطَانِ أَنْ يُوقِعَ الْمُؤْمِنَ فِي الشَّرِّ وَهُوَ يُوهِمُهُ أَنَّهُ يعْمل خيرا.
[٥٤]
[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ٥٤]
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤)
هَذَا الْكَلَامُ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِلَى قَوْلِهِ: فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا [الْإِسْرَاء: ٤٧، ٤٨] . فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْطَوِي عَلَى مَا هُوَ شَأْنُ نَجْوَاهُمْ مِنَ التَّصْمِيمِ عَلَى
الْعِنَادِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى الْكُفْرِ. وَذَلِكَ يَسُوءُ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحْزِنُهُ أَنْ لَا يَهْتَدُوا، فَوَجَّهَ هَذَا الْكَلَامَ إِلَيْهِ تَسْلِيَةً لَهُ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ تَعْقِيبُهُ بِقَوْلِهِ: وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute