[سُورَة الْأَنْفَال (٨) : آيَة ٣]
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)
وَصْفُهُمْ بِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُونَ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ جَاءَ بِإِعَادَةِ الْمَوْصُولِ، كَمَا أُعِيدَ فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٤] ، وَذَلِكَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِانْتِقَالِ، فِي وَصْفِهِمْ، إِلَى غَرَضٍ آخَرَ غَيْرِ الْغَرَضِ الَّذِي اجْتُلِبَ الْمَوْصُولُ الْأَوَّلُ لِأَجْلِهِ، وَهُوَ هُنَا غَرَضُ مُحَافَظَتِهِمْ عَلَى رُكْنَيِ الْإِيمَانِ: وَهُمَا إِقَامَةُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، فَلَا عَلَاقَةَ لِلصِّلَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا بِأَحْكَامِ الْأَنْفَالِ وَالرِّضَى بِقَسْمِهَا، وَلَكِنَّهُ مُجَرَّدُ الْمَدْحِ، وَعَبَّرَ فِي جَانِبِ الصَّلَاةِ بِالْإِقَامَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣] . وَجِيءَ بِالْفِعْلَيْنِ الْمُضَارِعَيْنِ فِي يُقِيمُونَ ويُنْفِقُونَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَكَرُّرِ ذَلِكَ وَتُجَدُّدِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى الِاسْتِعْمَالِ فِي الْخَبَرِ بِالصِّلَاتِ الْمُتَعَاطِفَةِ، الَّتِي مَوْصُولُهَا خَبَرٌ عَنْ مُبْتَدَأٍ أَنْ تُعْتَبَرَ خَبَرًا بِعِدَّةِ أَشْيَاءَ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ أَخْبَارٍ مُتَكَرِّرَةٍ، وَمُقْتَضَى الِاسْتِعْمَالِ فِي الْأَخْبَارِ الْمُتَعَدِّدَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُعْتَبَرُ خَبَرًا مُسْتَقِلًّا عَنِ الْمُبْتَدَأِ فَلِذَلِكَ تَكُونُ كُلُّ صِلَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّلَاتِ بِمَنْزِلَةِ خَبَرٍ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ مَحْصُورٌ فِيهَا الْمُؤْمِنُونَ أَيْ حَالُهُمْ فَيَكُونُ الْمَعْنَى،
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا. وَهَكَذَا فَمَتَى اخْتَلَّتْ صِفَةٌ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ اخْتَلَّ وَصْفُ الْإِيمَانِ عَنْ صَاحِبِهَا، فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْقَصْرِ الْمُبَالِغَةَ الْآيِلَةَ إِلَى مَعْنَى قَصْرِ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ عَلَى صَاحِبِ كُلِّ صِلَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّلَاتِ، وَعَلَى صَاحِبِ الْخِبْرَيْنِ، لِظُهُورِ أَنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ لَا يُسْلَبُ مَنْ أَحَدٍ ذُكِرَ اللَّهُ عِنْدَهُ فَلَا يَجِلُ قَلْبُهُ، فَإِنَّ أَدِلَّةً قَطْعِيَّةً مَنْ أَصُولُ الدِّينِ تُنَافِي هَذَا الِاحْتِمَالَ فَتَعَيَّنَ تَأْوِيل الْمُؤْمِنُونَ [الْأَنْفَال: ٢] عَلَى إِرَادَةِ أَصْحَابِ الْإِيمَان الْكَامِل.
[٤]
[سُورَة الْأَنْفَال (٨) : آيَة ٤]
أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)
جُمْلَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ [الْأَنْفَال: ٢] إِلَى آخِرِهَا وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute