للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ [الْأَعْرَاف: ١٣٣] وَهِيَ تِسْعُ آيَاتٍ مِنْهَا الْخَمْسُ الْمَذْكُورَةُ فِي آيَةِ الْأَعْرَافِ وَالْأَرْبَعُ الْأُخَرُ هِيَ: انْقِلَابُ الْعَصَا حَيَّةً، وَظُهُورُ يَدِهِ بَيْضَاءَ، وَسِنُو الْقَحْطِ، وَانْفِلَاقُ الْبَحْرِ بِمَرْأَى مِنْ فِرْعَوْنَ وَآلِهِ، وَلَمْ يَنْجَعْ ذَلِكَ فِي تَصْمِيمِهِمْ عَلَى اللَّحَاقِ بِبَنِي إِسْرَائِيل.

وتأكيد بِآياتِنا بِ كُلِّها إِشَارَةٌ إِلَى كَثْرَتِهَا وَأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَتَكْذِيبُهُمْ بِآيَةِ انْفِلَاقِ الْبَحْرِ تَكْذِيبٌ فِعْلِيٌّ لِأَنَّ مُوسَى لَمْ يَتَحَدَّهُمْ بِتِلْكَ الْآيَةِ وَقَوْمُ فِرْعَوْنَ لَمَّا رَأَوْا تِلْكَ الْآيَةَ عَدُّوهَا سِحْرًا وَتَوَهَّمُوا الْبَحْرَ أَرْضًا فَلَمْ يَهْتَدُوا بِتِلْكَ الْآيَةِ.

وَالْأَخْذُ: مُسْتَعَارٌ لِلِانْتِقَامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فِي سُورَةِ النَّحْلِ [٤٦، ٤٧] .

وَهَذَا الْأَخْذُ: هُوَ إِغْرَاقُ فِرْعَوْنَ وَرِجَالِ دَوْلَتِهِ وَجُنْدِهِ الَّذِينَ خَرَجُوا لِنُصْرَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَعْرَافِ.

وَانْتَصَبَ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ مُبَيِّنًا لِنَوْعِ الْأَخْذِ بِأَفْظَعِ مَا هُوَ

مَعْرُوفٌ لِلْمُخَاطَبِينَ مِنْ أَخْذِ الْمُلُوكِ وَالْجَبَابِرَةِ.

وَالْعَزِيزُ: الَّذِي لَا يُغْلَبُ. وَالْمُقْتَدِرُ: الَّذِي لَا يَعْجِزُ.

وَأُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ أَخْذٌ لَمْ يُبْقِ عَلَى الْعَدُوِّ أَيْ إِبْقَاءٍ بِحَيْثُ قَطَعَ دَابِرَ فِرْعَوْن وَآله.

[٤٣]

[سُورَة الْقَمَر (٥٤) : آيَة ٤٣]

أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣)

هَذِهِ الْجُمْلَةُ كَالنَّتِيجَةِ لِحَاصِلِ الْقَصَصِ عَنِ الْأُمَمِ الَّتِي كَذَّبَتِ الرُّسُلَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ فَمَنْ ذُكِرَ بَعْدَهُمْ وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ وَلَمْ تُعْطَفْ.

وَقَدْ غَيَّرَ أُسْلُوبَ الْكَلَامِ مِنْ كَوْنِهِ مُوَجَّهًا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَوْجِيهِهِ لِلْمُشْرِكِينَ لِيَنْتَقِلَ عَنِ التَّعْرِيضِ إِلَى التَّصْرِيحِ اعْتِنَاءً بِمَقَامِ الْإِنْذَارِ وَالْإِبْلَاغِ.

وَالْاِسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى