للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِذَا بَنَيْنَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ اسْتِدْلَالًا فِي نَفْسِهِ قَبْلَ الْجَزْمِ بِالتَّوْحِيدِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ بِإِلْهَامٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الْأَنْعَام: ٧٥] مَعْنَاهُ نُرِيهِ مَا فِيهَا مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ قَبْلَ أَنْ نُوحِيَ إِلَيْهِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: رَأى كَوْكَباً بِمَعْنَى نَظَرَ فِي السَّمَاءِ فَرَأَى هَذَا الْكَوْكَبَ وَلَمْ يَكُنْ نَظَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: قالَ هَذَا رَبِّي قَوْلًا فِي نَفْسِهِ عَلَى نَحْوِ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ الْمُفَكِّرُ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ، كَقَوْلِ النَّابِغَةِ فِي كَلْبِ صَيْدٍ:

قَالَتْ لَهُ النَّفْسُ إِنِّي لَا أَرَى طَمَعًا ... وَأَنَّ مَوْلَاكَ لَمْ يَسْلَمْ وَلَمْ يَصِدِ

وَقَوْلِ الْعَجَّاجِ فِي ثَوْرٍ وَحْشِيٍّ:

ثُمَّ انْثَنَى وَقَالَ فِي التَّفْكِيرِ ... إِنَّ الْحَيَاةَ الْيَوْمَ فِي الْكُرُورِ

وَقَوْلِهِ: هَذَا رَبِّي وَقَوْلِهِ: لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ، وَقَوْلِهِ: لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي كُلُّ ذَلِكَ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقَائِقِهِ مِنَ الِاعْتِقَادِ الْحَقِيقِيِّ. وَقَوْلُهُ: قالَ يَا قَوْمِ هُوَ ابْتِدَاءُ خِطَابِهِ لِقَوْمِهِ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ الْحَقُّ لَهُ فَأَعْلَنَ بِمُخَالَفَتِهِ قومه حِينَئِذٍ.

[٨٠]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ٨٠]

وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٨٠)

لَمَّا أَعْلَنَ إِبْرَاهِيمُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مُعْتَقَدَهُ لِقَوْمِهِ أَخَذُوا فِي مُحَاجَّتِهِ، فَجُمْلَةُ وَحاجَّهُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الْأَنْعَام:

٧٩] . وَعُطِفَتِ الْجُمْلَةُ بِالْوَاوِ دُونَ الْفَاءِ لِتَكُونَ مُسْتَقِلَّةً بِالْإِخْبَارِ بِمَضْمُونِهَا مَعَ أَنَّ تَفَرُّعَ مَضْمُونِهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا مَعْلُومٌ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ.