[سُورَة الزخرف (٤٣) : آيَة ٤٩]
وَقالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩)
عَطَفَ عَلَى وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ [الزخرف: ٤٨] . وَالْمَعْنَى: وَلَمَّا أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ عَلَى يَدِ مُوسَى سَأَلُوهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ بِكَشْفِ الْعَذَابِ عَنْهُمْ. وَمُخَاطَبَتُهُمْ مُوسَى بِوَصْفِ السَّاحِرِ مُخَاطَبَةُ تَعْظِيمٍ تَزَلُّفًا إِلَيْهِ لِأَنَّ السَّاحِرَ عِنْدَهُمْ كَانَ هُوَ الْعَالِمَ وَكَانَتْ عُلُومُ عُلَمَائِهِمْ سِحْرِيَّةً، أَيْ ذَاتَ أَسْبَابٍ خَفِيِّةٍ لَا يَعْرِفُهَا غَيْرُهُمْ وَغَيْرُ أَتْبَاعِهِمْ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ مَلَأِ فِرْعَوْنَ لَهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ [الشُّعَرَاء: ٣٦، ٣٧] .
وَكَانَ السحر بِأَيْدِي الْكَهَنَةِ وَمِنْ مَظَاهِرِهِ تَحْنِيطُ الْمَوْتَى الَّذِي بقيت بِهِ جُثَثُ الْأَمْوَاتِ سَالِمَةً مِنِ الْبِلَى وَلَمْ يَطَّلِعْ أَحَدٌ بَعْدَهُمْ عَلَى كَيْفِيَّةِ صُنْعِهِ. وَفِي آيَةِ الْأَعْرَافِ [١٣٤] قالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ، وَلَا تُنَافِي مَا هُنَا لِأَنَّ الْخِطَابَ خِطَابُ إِلْحَاحٍ فَهُوَ يَتَكَرَّرُ وَيُعَادُ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُور بأيه السَّاحِرُ بِدُونِ أَلِفٍ بَعْدَ الْهَاءِ فِي الْوَصْلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَفِي الْوَقْفِ أَيْ بِفَتْحَةٍ دُونَ أَلِفٍ وَهُوَ غَيْرُ قِيَاسِيٍّ لَكِنَّ الْقِرَاءَةَ رِوَايَةٌ. وَعَلَّلَهُ أَبُو شَامَةَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا الرَّسْمَ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي الْوَقْفِ.
وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ بِضَمِّ الْهَاءِ فِي الْوَصْلِ خَاصَّةً وَهُوَ لُغَةُ بَنِي أَسَدٍ، وَكُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ كَلِمَةُ أَيُّهَ بِدُونِ أَلِفٍ بَعْدَ الْهَاءِ، وَالْأَصْلُ أَنْ تَكُونَ بِأَلِفٍ بَعْدِ الْهَاءِ لِأَنَّهَا (هَا) حَرْفُ تَنْبِيهٍ يَفْصِلُ بَيْنَ (أَيْ) وَبَيْنَ نَعْتِهَا فِي النِّدَاءِ فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ رَعْيًا لِقِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ وَالْأَصْلُ أَنْ يُرَاعَى فِي الرَّسْمِ حَالَةُ الْوَقْف.
وعنوا ب رَبَّكَ الرَّبَّ الَّذِي دَعَاهُمْ مُوسَى إِلَى عِبَادَتِهِ. وَالْقِبْطُ كَانُوا يَحْسَبُونَ أَنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَبًّا وَلَا يُحِيلُونَ تَعَدُّدَ الْآلِهَةِ، وَكَانَتْ لَهُمْ أَرْبَابٌ كَثِيرُونَ مُخْتَلِفَةٌ أَعْمَالُهُمْ وَقَدْرُهُمْ وَمِثْلُ ذَلِكَ كَانَتْ عَقَائِدُ الْيُونَانِ.
وَأَرَادُوا بِما عَهِدَ عِنْدَكَ مَا خَصَّكَ بِعِلْمِهِ دُونَ غَيْرِكَ مِمَّا اسْتَطَعْتَ بِهِ أَنْ تَأْتِيَ بِخَوَارِقِ الْعَادَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute