للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَدَلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِالْجَنَّةِ مِنْ أَنْ يُقَالَ: أُولَئِكَ فِي الْجَنَّةِ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْجَنَّةُ لِمَا فِي أَصْحابُ مِنْ مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ وَمَا فِي الْإِضَافَةِ أَيْضًا.

وَقَوْلُهُ: جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ تَصْرِيحٌ بِمَا اسْتُفِيدَ مِنْ تَعْلِيلِ الصِّلَةِ فِي الْخَبَرِ وَمِنَ اقْتِضَاءِ اسْمِ الْإِشَارَةِ جَدَارَتَهُمْ بِمَا بَعْدَهُ وَمَا أَفَادَهُ وَصْفُ أَصْحَابُ وَمَا أَفَادَتْهُ الْإِضَافَةُ، وَهَذَا مِنْ تَمَامِ الْعِنَايَةِ بِالتَّنْوِيهِ بِهِمْ.

[١٥]

[سُورَة الْأَحْقَاف (٤٦) : آيَة ١٥]

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥)

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً

تَطَلَّبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَجْهَ مُنَاسِبَةِ وُقُوعِ هَذِهِ الْآيَةِ عَقِبَ الَّتِي قَبْلَهَا، وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْقُشَيْرِيِّ أَنَّ وَجْهَ اتِّصَالِ الْكَلَامِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ أَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَسْتَجِيبَ بَعْضُ النَّاس للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكْفُرُ بِهِ بَعْضُهُمْ كَمَا اخْتَلَفَ حَالُ النَّاسِ مَعَ الْوَالِدَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ

عَسَاكِرَ: لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ التَّوْحِيدَ وَالِاسْتِقَامَةَ عَطَفَ الْوَصِيَّةَ بِالْوَالِدَيْنِ كَمَا هُوَ مَقْرُونٌ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ. وَكِلَا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ غَيْرُ مُقْنِعٍ فِي وَجْهِ الِاتِّصَالِ. وَوَجْهُ الِاتِّصَالِ عِنْدِي أَن هَذَا انْتِقَال إِلَى قَوْلٍ آخَرَ مِنْ أَقْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ كَلَامُهُمْ فِي إِنْكَارِ الْبَعْثِ وَجِدَالِهِمْ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِ كُفْرِهِمْ بِمَحَلِّ الْقَصْدِ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ قَوْلُهُ: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما إِلَى قَوْله: خاسِرِينَ [الْأَحْقَاف: ١٧، ١٨] .

وَصِيغَ هَذَا فِي أُسْلُوبِ قِصَّةِ جِدَالٍ بَيْنَ وَالِدَيْنِ مُؤْمِنَيْنِ وَوَلَدٍ كَافِرٍ، وَقِصَّةِ جِدَالٍ بَيْنَ وَلَدٍ مُؤْمِنٍ وَوَالِدَيْنِ كَافِرَيْنِ لِأَنَّ لِذَلِكَ الْأُسْلُوبِ وَقْعًا فِي أَنْفُسِ السَّامِعِينَ مَعَ مَا رُوِيَ إِنَّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى جِدَالٍ جَرَى بَين عبد الرحمان بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ وَبَيْنَ وَالِدَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهُ تَوْطِئَةً وَتَمْهِيدًا لِذِكْرِ هَذَا الْجِدَالِ.

وَقَدْ رَوَى الْوَاحِدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قَوْلَهُ: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً إِلَى قَوْله: يُوعَدُونَ [الْأَحْقَاف: ١٥، ١٦] نَزَلَ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ:

نَزَلَتْ فِي