أَبِي بَكْرٍ وَأَبِيهِ (أَبِي قُحَافَةَ) وَأُمِّهِ (أُمِّ الْخَيْرِ) أَسْلَمَ أَبَوَاهُ جَمِيعًا. وَقَدْ تَكَرَّرَتِ الْوِصَايَةُ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ فِي الْقُرْآنِ وَحَرَّضَ عَلَيْهَا النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاطِنَ عَدِيدَةٍ فَكَانَ الْبِرُّ بِالْوَالِدَيْنِ أَجْلَى مَظْهَرًا فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا وَكَانَ مِنْ بَرَكَاتِ أَهْلِهَا بِحَيْثُ لَمْ يَبْلُغُ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ مَبْلَغًا فِي أُمَّةٍ مَبْلَغَهُ فِي الْمُسْلِمِينَ. وَتَقَدَّمَ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ [٨] .
وَالْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ الْجِنْسُ، أَيْ وَصَّيْنَا النَّاسَ وَهُوَ مُرَادٌ بِهِ خُصُوصُ النَّاسِ الَّذِينَ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ بِوَصَايَا اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَلِكَ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ فِي آخِرِهَا أُولئِكَ الَّذِينَ يُتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا [الْأَحْقَاف: ١٦] الْآيَةَ.
وَكَذَلِكَ هُوَ فِيمَا وَرَدَ مِنَ الْآيَاتِ فِي هَذَا الْغَرَضِ كَمَا فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ وَفِي سُورَةِ لُقْمَانَ بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَالْحُسْنُ: مَصْدَرُ حَسُنَ، أَيْ وَصَّيْنَاهُ بِحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ. وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ كَذَلِكَ. وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ إِحْساناً. وَالنَّصْبُ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ إِمَّا بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَهُوَ الْبَاءُ وَإِمَّا بِتَضْمِينِ وَصَّيْنَا مَعْنَى: أَلْزَمْنَا.
وَالْكُرْهُ: بِفَتْحِ الْكَافِ وَبِضَمِّهَا مَصْدَرُ أَكْرَهُ، إِذَا امْتَعَضَ مِنْ شَيْءٍ، أَيْ كَانَ حمله مَكْرُوها لَهَا، أَيْ حَالَةَ حَمْلِهِ وَوِلَادَتِهِ لِذَلِكَ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ كَرْهًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِفَتْحِ
الْكَافِ. وَقَرَأَهُ عَاصِمُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَابْنُ ذِكْوَانَ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ بِضَمِّ الْكَافِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَانْتَصَبَ كُرْهاً عَلَى الْحَالِ، أَيْ كَارِهَةً أَوْ ذَاتَ كُرْهٍ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا حَمَلَتْهُ فِي بَطْنِهَا مُتْعَبَةً مِنْ حَمْلِهِ تَعَبًا يَجْعَلُهَا كَارِهَةً لِأَحْوَالِ ذَلِكَ الْحَمْلِ. وَوَضَعَتْهُ بِأَوْجَاعٍ وَآلَامٍ جَعَلَتْهَا كَارِهَةً لِوَضْعِهِ. وَفِي ذَلِكَ الْحَمْلِ وَالْوَضْعِ فَائِدَةٌ لَهُ هِيَ فَائِدَةُ وُجُودِهِ الَّذِي هُوَ كَمَالُ حَالِ الْمُمْكِنِ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَى وُجُودِهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي بِهِ حُصُولُ النِّعَمِ الْخَالِدَةِ.
وَأُشِيرَ إِلَى مَا بَعْدَ الْحَمْلِ مِنْ إِرْضَاعِهِ الَّذِي بِهِ عِلَاجُ حَيَاتِهِ وَدَفْعُ أَلَمِ الْجُوعِ عَنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute