للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

: «فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ بِمَا كَسَبُوا» أَوْ هِيَ تَعْلِيمٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يَطْلُبُوا خَيْرَ الدُّنْيَا مِنْ طُرُقِ الْحَرَامِ، فَإِنَّ فِي الْحَلَالِ سَعَةً لَهُمْ وَمَنْدُوحَةً، وَلْيَتَطَلَّبُوهُ مِنَ الْحَلَالِ يُسَهِّلْ لَهُمُ اللَّهُ حُصُولَهُ، إِذِ الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِ اللَّهِ، فَيُوشِكُ أَنْ يَحْرِمَ مَنْ

يَتَطَلَّبُهُ مِنْ وَجْهٍ لَا يُرْضِيهِ أَوْ لَا يُبَارِكَ لَهُ فِيهِ. وَالْمُرَادُ بِالثَّوَابِ فِي الْآيَةِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ دُونَ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ الْخَيْرُ وَمَا يَرْجِعُ بِهِ طَالِبُ النَّفْعِ مِنْ وُجُوهِ النَّفْعِ، مُشْتَقٌّ مِنْ ثَابَ بِمَعْنَى رَجَعَ. وَعَلَى الِاحْتِمَالَاتِ كُلِّهَا فَجَوَابُ الشَّرْطِ بِ «مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا» مَحْذُوفٌ، تَدُلُّ عَلَيْهِ عِلَّتُهُ، وَالتَّقْدِيرُ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَلَا يُعْرِضُ عَنْ دِينِ اللَّهِ، أَوْ فَلَا يَصُدُّ عَنْ سُؤَالِهِ، أَوْ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى سُؤَالِهِ، أَوْ فَلَا يُحَصِّلُهُ مِنْ وُجُوهٍ لَا تُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى: كَمَا فَعَلَ بَنُو أُبَيْرِقٍ وَأَضْرَابُهُمْ، وَلْيَتَطَلَّبْهُ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ لِأَنَّ فَضْلَ اللَّهِ يَسَعُ الْخَيْرَيْنِ، وَالْكُلُّ مِنْ عِنْدِهِ. وَهَذَا كَقَوْلِ الْقُطَامِيِّ:

فَمَنْ تَكُنِ الْحَضَارَةُ أَعْجَبَتْهُ ... فَأَيُّ رِجَالِ بَادِيَةٍ تَرَانَا

التَّقْدِيرُ: فَلَا يَغْتَرِرْ أَوْ لَا يَبْتَهِجْ بِالْحَضَارَةِ، فَإِنَّ حَالَنَا دَلِيلٌ عَلَى شرف البداوة.

[١٣٥]

[سُورَة النِّسَاء (٤) : آيَة ١٣٥]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٣٥)

انْتِقَالٌ مِنَ الْأَمْرِ بِالْعَدْلِ فِي أَحْوَالٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ مُعَامَلَاتِ الْيَتَامَى وَالنِّسَاءِ إِلَى الْأَمْرِ بِالْعَدْلِ الَّذِي يَعُمُّ الْأَحْوَالَ كُلَّهَا، وَمَا يُقَارِنُهُ مِنَ الشَّهَادَةِ الصَّادِقَةِ، فَإِنَّ الْعَدْلَ فِي الْحُكْمِ وَأَدَاءَ الشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ هُوَ قِوَامُ صَلَاحِ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ، وَالِانْحِرَافُ عَنْ ذَلِكَ وَلَوْ قَيْدَ أُنْمُلَةٍ يَجُرُّ إِلَى فَسَادٍ مُتَسَلْسِلٍ.

وَصِيغَةُ قَوَّامِينَ دَالَّةٌ عَلَى الْكَثْرَةِ الْمُرَادِ لَازِمُهَا، وَهُوَ عَدَمُ الْإِخْلَالِ بِهَذَا الْقِيَامِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ.