للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي قَوْلِهِ أَفَلا يَسْمَعُونَ [السَّجْدَة:

٢١] . وَنِيطَ الْحُكْمُ بِالْإِبْصَارِ هُنَا لِأَنَّ دَلَالَةَ إِحْيَاءِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا دلَالَة مُشَاهدَة.

[٢٨- ٣٠]

[سُورَة السجده (٣٢) : الْآيَات ٢٨ إِلَى ٣٠]

وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠)

يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها [السَّجْدَة: ٢٢] ، أَيْ: أَعْرَضُوا عَنْ سَمَاعِ الْآيَاتِ وَالتَّدَبُّرِ فِيهَا وَتَجَاوَزُوا ذَلِكَ إِلَى التَّكْذِيبِ وَالتَّهَكُّمِ بِهَا. وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ ذَلِكَ هُنَا أَنَّهُ وَقَعَ عَقِبَ الْإِشَارَةِ إِلَى دَلِيلِ وُقُوعِ الْبَعْثِ وَهُوَ يَوْمُ الْفَصْلِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَفَ عَلَى جُمْلَةِ وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [السَّجْدَة: ١٠] .

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِالْبَعْثِ وَمَا مَعَهُ مِنَ الْوَعِيدِ فِي الْآخِرَةِ وَكَذَّبُوا بِوَعِيدِ عَذَابِ الدُّنْيَا الَّذِي مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ [السَّجْدَة:

٢١] .

والْفَتْحُ: النَّصْرُ وَالْقَضَاءُ. وَالْمُرَادُ بِهِ: نَصْرُ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِظُهُورِ فَوْزِهِمْ وَخَيْبَةِ أَعْدَائِهِمْ فَإِنَّ خَيْبَةَ الْعَدُوِّ نَصْرٌ لِضِدِّهِ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَحَدَّوْنَ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ اللَّهَ سَيَفْتَحُ بَيْنَهُمْ وَيَنْصُرُهُمْ وَتَظْهَرُ حُجَّتُهُمْ، فَكَانَ الْكَافِرُونَ يُكَرِّرُونَ التَّهَكُّمَ بِالْمُسْلِمِينَ بِالسُّؤَالِ عَنْ وَقْتِ هَذَا الْفَتْحِ اسْتِفْهَامًا مُسْتَعْمَلًا فِي التَّكْذِيبِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلِ الْمُسْتَفْهَمُ عَنْهُ. وَحِكَايَةُ قَوْلِهِمْ بِصِيغَةِ

الْمُضَارِعِ لِإِفَادَةِ التَّعْجِيبِ مِنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ [هود: ٧٤] مَعَ إِفَادَةِ تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَاتِّخَاذِهِمْ إِيَّاهُ. وَالْمَعْنَى: إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي أَنَّهُ وَاقِعٌ فَبَيِّنُوا لَنَا وَقْتَهُ فَإِنَّكُمْ إِذْ عَلِمْتُمْ بِهِ دُونَ غَيْرِكُمْ فَلْتَعْلَمُوا وَقْتَهُ. وَهَذَا مِنَ السَّفْسَطَةِ الْبَاطِلَةِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالشَّيْءِ إِجْمَالًا لَا يَقْتَضِي الْعِلْمَ بِتَفْصِيلِ أَحْوَالِهِ حَتَّى يُنْسَبَ الَّذِي لَا يَعْلَمُ تَفْصِيلَهُ إِلَى الْكَذِبِ فِي إِجْمَالِهِ.