للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ: هُوَ الْعَمَلُ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّهُ صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ، وَلَكِنْ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ لِيُفِيدَ أَن الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاسِخٌ فِي الِاهْتِدَاءِ إِلَى مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَتَمَكَّنُ السَّائِرُ مِنْ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ لَا يَشُوبُهُ فِي سَيْرِهِ تَرَدُّدٌ فِي سُلُوكِهِ وَلَا خَشْيَةُ الضَّلَالِ فِي بُنْيَاتِهِ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ فِي سُورَةِ النَّمْلِ [٧٩] .

وَحَرْفُ عَلى لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ الْمُرَادِ بِهِ التَّمَكُّنُ كَقَوْلِهِ: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: ٥] . وَهَذَا تثبيت للرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَا زَاغَ قَيْدَ أُنْمُلَةٍ عَمَّا بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ، كَقَوْلِهِ: إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ وَيَتْبَعُهُ تَثْبِيتُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى إِيمَانِهِمْ. وَهَذَا أَيْضًا ثَنَاءٌ سَادِسٌ على الْقُرْآن.

[٤٤]

[سُورَة الزخرف (٤٣) : آيَة ٤٤]

وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤)

ذُكِرَ حَظّ الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الثَّنَاءِ وَالتَّأْيِيدِ فِي قَوْلِهِ: عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الزخرف:

٤٣] الْمَجْعُولِ عِلَّةً لِلْأَمْرِ بِالثَّبَاتِ عَلَيْهِ، ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ تَعْلِيلٌ آخَرُ اشْتَمَلَ عَلَى ذِكْرِ حَظِّ

الْقُرْآنِ مِنَ الْمَدْحِ، وَالنَّفْعِ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ، وَتَشْرِيفُهُ بِهِ بِقَوْلِهِ: لَكَ وَأُتْبِعَ بِحَظِّ التَّابِعِينَ لَهُ وَلِكِتَابِهِ مِنَ الِاهْتِدَاءِ وَالِانْتِفَاعِ بِقَوْلِهِ وَلِقَوْمِكَ. ثُمَّ عَرَّضَ بالمعرضين عَنهُ والمجافين لَهُ بقوله: وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ، مَعَ التَّوْجِيهِ فِي مَعْنَى كَلِمَةِ ذِكْرٌ مِنْ إِرَادَةِ أَنَّ هَذَا الدِّينَ يُكْسِبُهُ وَيُكْسِبُ قَوْمَهُ حُسْنَ السُّمْعَةِ فِي الْأُمَمِ فَمَنِ اتَّبَعَهُ نَالَ حَظَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ عدّ فِي عِدَادَ الْحَمْقَى كَمَا سَيَأْتِي، مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى انْتِفَاعِ الْمُتَّبِعِينَ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَاسْتِضْرَارِ الْمُعْرِضِينَ عَنْهُ فِيهَا، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ بِحَرْفِ الِاسْتِقْبَالِ. فَهَذِهِ الْآيَةُ اشْتَمَلَتْ عَلَى عَشَرَةِ مَعَانٍ، وَبِذَلِكَ كَانَتْ أَوْفَرَ مَعَانِيَ مِنْ قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ