للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِي تَسْمِيَةِ مَا فَعَلَهُ الْكُفَّارُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ افْتِرَاءً وَكَذِبًا وَنَفْيِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَمَرَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْأَحْدَاثَ لَا تَمُتُّ إِلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا:

أَنَّهَا تَنْتَسِبُ إِلَى الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ، وَذَلِكَ إِشْرَاكٌ وَكُفْرٌ عَظِيمٌ. الثَّانِيَةُ: أَنَّ مَا يُجْعَلُ مِنْهَا لِلَّهِ تَعَالَى مِثْلُ السَّائِبَةِ هُوَ عَمَلٌ ضَرُّهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ، لِأَنَّ فِي تسييب الْحَيَوَان إِضْرَار بِهِ إِذْ رُبَّمَا لَا يَجِدُ مَرْعًى وَلَا مَأْوًى، وَرُبَّمَا عَدَتْ عَلَيْهِ السِّبَاعُ، وَفِيهِ تَعْطِيلُ مَنْفَعَتِهِ حَتَّى يَمُوتَ حَتْفَ أَنْفِهِ. وَمَا يَحْصُلُ مِنْ دَرِّ بَعْضِهَا لِلضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنَّمَا هُوَ مَنْفَعَةٌ ضَئِيلَةٌ فِي جَانِبِ الْمَفَاسِدِ الحافّة بِهِ.

[١٠٤]

[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ١٠٤]

وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا مَا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٠٤)

الْوَاوُ لِلْحَالِ. وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ: الَّذِينَ كَفَرُوا [الْمَائِدَة: ١٠٣] ، أَيْ أَنَّهُمْ يَنْسِبُونَ إِلَى اللَّهِ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ كَذِبًا، وَإِذَا دُعُوا إِلَى اتِّبَاعِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ حَقًّا أَوِ التَّدَبُّرِ فِيهِ أَعْرَضُوا وَتَمَسَّكُوا بِمَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُهُمْ. فَحَالُهُمْ عَجِيبَةٌ فِي أَنَّهُمْ يَقْبَلُونَ ادِّعَاءَ آبَائِهِمْ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِمَا اخْتَلَقُوا لَهُمْ مِنَ الضَّلَالَاتِ، مِثْلِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَمَا ضاهاهما، ويعرضون على دَعْوَةِ الرَّسُولِ الصَّادِقِ بِلَا حُجَّةٍ لَهُمْ فِي الْأُولَى، وَبِالْإِعْرَاضِ عَنِ النَّظَرِ فِي حُجَّةِ الثَّانِيَةِ أَوِ الْمُكَابَرَةِ فِيهَا بَعْدَ عِلْمِهَا.

وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ تَعالَوْا مُسْتَعْمَلٌ فِي طَلَبِ الْإِقْبَالِ، وَفِي إِصْغَاءِ السَّمْعِ، وَنَظَرِ الْفِكْرِ، وَحُضُورِ مجْلِس الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَدَمِ الصَّدِّ عَنْهُ، فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ.

وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى فِعْلِ (تَعَالَ) عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى نَظِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.

وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ: هُوَ الْقُرْآنُ. وَعَطَفَ وَإِلَى الرَّسُولِ لِأَنَّهُ يُرْشِدُهُمْ إِلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ. وَأُعِيدَ حَرْفُ (إِلَى) لِاخْتِلَافِ مَعْنَيَيِ الْإِقْبَالِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُتَعَلِّقَيْ تَعالَوْا فَإِعَادَةُ الْحَرْفِ قَرِينَةٌ عَلَى إِرَادَةِ مَعْنَيَيْ تَعالَوْا الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ.