فَهُوَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ التَّأْوِيلِ بِمَعَانِيهِ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى مِنْ مُقَدِّمَاتِ هَذَا التَّفْسِير.
[٣٦]
[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ٣٦]
وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦)
الْقَفْوُ: الِاتِّبَاعُ، يُقَالُ: قَفَاهُ يَقْفُوهُ إِذَا اتَّبَعَهُ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ اسْمِ الْقَفَا، وَهُوَ مَا وَرَاءَ الْعُنُقِ. وَاسْتُعِيرَ هَذَا الْفِعْلُ هُنَا لِلْعَمَلِ. وَالْمُرَادُ بِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ الْخَاطِرُ النَّفْسَانِيُّ الَّذِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَا غَلَبَةَ ظَنٍّ بِهِ.
وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذَا أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ. مِنْهَا خَلَّةٌ مِنْ خِلَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَهِيَ الطَّعْنُ فِي أَنْسَابِ النَّاسِ، فَكَانُوا يَرْمُونَ النِّسَاءَ بِرِجَالٍ لَيْسُوا بِأَزْوَاجِهِنَّ، وَيَلِيطُونَ بَعْضَ الْأَوْلَادِ بِغَيْرِ آبَائِهِمْ بُهْتَانًا، أَوْ سُوءَ ظَنٍّ إِذَا رَأَوْا بُعْدًا فِي الشَّبَهِ بَيْنَ الِابْنِ وَأَبِيهِ أَوْ رَأَوْا شَبَهَهُ بِرَجُلٍ آخَرَ مِنَ الْحَيِّ أَوْ رَأَوْا لَوْنًا مُخَالِفًا لِلَوْنِ الْأَبِ أَوِ الْأُمِّ، تَخَرُّصًا وَجَهْلًا بِأَسْبَابِ التَّشَكُّلِ، فَإِنَّ النَّسْلَ يَنْزِعُ فِي الشَّبَهِ وَفِي اللَّوْنِ إِلَى أُصُولٍ مِنْ سِلْسِلَةِ الْآبَاءِ أَوِ الْأُمَّهَاتِ الْأَدْنَيْنَ أَوِ الْأَبْعَدِينَ، وَجَهْلًا بِالشَّبَهِ النَّاشِئ عَن الوحم.
وَقَدْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ وَلَدًا أَسْوَدَ (يُرِيدُ أَنْ يَنْتَفِيَ مِنْهُ) فَقَالَ لَهُ النَّبِيءُ: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ:
نَعَمْ. قَالَ: مَا أَلْوَانُهُنَّ؟ قَالَ: وُرْقٌ. قَالَ: وَهَلْ فِيهَا مِنْ جَمَلٍ أَسْوَدَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ:
فَمِنْ أَيْنَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَعَلَّهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ. فَقَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَعَلَّ ابْنَكَ نَزَعَهُ عِرْقٌ»
، وَنَهَاهُ عَنِ الِانْتِفَاءِ مِنْهُ. فَهَذَا كَانَ شَائِعًا فِي مُجْتَمَعَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ فَنَهَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا الْقَذْفُ بِالزِّنَى وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُسَاوِي بِدُونِ مُشَاهَدَةٍ، وَرُبَّمَا رَمَوُا الْجِيرَةَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ كَانَ عَمَلُهُمْ إِذَا غَابَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute