[سُورَة النَّحْل (١٦) : الْآيَات ٩٨ إِلَى ١٠٠]
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠)
مَوْقِعُ فَاءِ التَّفْرِيعِ هُنَا خَفِيٌّ وَدَقِيقٌ، وَلِذَلِكَ تَصَدَّى بَعْضُ حُذَّاقِ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى الْبَحْثِ عَنْهُ. فَقَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : «لَمَّا ذَكَرَ الْعَمَلَ الصَّالِحُ وَوَعَدَ عَلَيْهِ وَصَلَ بِهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِيذَانًا بِأَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يُجْزَلُ عَلَيْهَا الثَّوَابُ» اه.
وَهُوَ إِبْدَاءُ مُنَاسَبَةٍ ضَعِيفَةٍ لَا تَقْتَضِي تَمَكُّنَ ارْتِبَاطِ أَجْزَاءِ النَّظْمِ.
وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ: «لما قَالَ: ولنجزيهم أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ [سُورَة النَّحْل: ٩٧] أرشد إِلَى الْعلم الَّذِي تَخْلُصُ بِهِ الْأَعْمَالُ مِنَ الْوَسْوَاسِ» اه.
وَهُوَ أَمْكَنُ مِنْ كَلَامِ «الْكَشَّافِ» . وَزَادَ أَبُو السُّعُودِ: «لَمَّا كَانَ مَدَارُ الْجَزَاءِ هُوَ حُسْنَ الْعَمَلِ رَتَّبَ عَلَيْهِ الْإِرْشَادَ إِلَى مَا بِهِ يَحْسُنُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ بِأَنْ يَخْلُصَ مِنْ شَوْبِ الْفَسَادِ» .
وَفِي كَلَامَيْهِمَا مِنَ الْوَهَنِ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ الِاسْتِعَاذَةِ بِإِرَادَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.
وَقَوْلُ ابْنِ عَطِيَّةَ: «الْفَاءُ فِي فَإِذا وَاصِلَةٌ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُهَا فِي مِثْلِ هَذَا» ، فَتَكُونُ الْفَاءُ عَلَى هَذَا لِمُجَرَّدِ وَصْلِ كَلَامٍ بِكَلَامٍ وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ شَرَفُ الدِّينِ الطَّيْبِيُّ: «قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ مُتَّصِلٌ بِالْفَاءِ بِمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ [سُورَة النَّحْل: ٨٩] . وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا مَنَّ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنْزَالِ كِتَابٍ جَامِعٍ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَأَنَّهُ تِبْيَانٌ لِكُلٍّ شَيْءٍ، وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْءٍ بِالْكَلِمَةِ الْجَامِعَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ [سُورَة النَّحْل: ٩٠]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute