[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ٩٥]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٩٥)
اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ آيَةِ: لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ [الْمَائِدَة: ٩٤] أَوْ لِنَسْخِ حُكْمِهَا أَنْ كَانَتْ تَضَمَّنَتْ حُكْمًا لَمْ يَبْقَ بِهِ عَمَلٌ. وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَعْنَى وَأَنْتُمْ حُرُمٌ فِي طَالِعِ هَذِه السُّورَة [الْمَائِدَة: ١] .
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الصَّيْدَ فِي حَالَيْنِ: حَالُ كَوْنِ الصَّائِدِ مُحْرِمًا، وَحَالُ كَوْنِ الصَّيْدِ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَلَوْ كَانَ الصَّائِدُ حَلَالًا وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَظَّمَ شَأْنَ الْكَعْبَةِ مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَتَّخِذَ لَهَا حَرَمًا كَمَا كَانَ الْمُلُوكُ يَتَّخِذُونَ الْحِمَى، فَكَانَتْ بَيْتُ اللَّهِ وَحِمَاهُ، وَهُوَ حَرَمُ الْبَيْتِ مُحْتَرَمًا بِأَقْصَى مَا يُعَدُّ حُرْمَةً وَتَعْظِيمًا فَلِذَلِكَ شَرَعَ اللَّهُ حَرَمًا لِلْبَيْتِ وَاسِعًا وَجَعَلَ اللَّهُ الْبَيْتَ أَمْنًا لِلنَّاسِ وَوَسَّعَ ذَلِكَ الْأَمْنَ حَتَّى شَمَلَ الْحَيَوَانَ الْعَائِشَ فِي حَرَمِهِ بِحَيْثُ لَا يَرَى النَّاسُ لِلْبَيْتِ إِلَّا أَمْنًا لِلْعَائِذِ بِهِ وَبِحَرَمِهِ. قَالَ النَّابِغَةُ:
وَالْمُؤْمِنِ الْعَائِذَاتِ الطَّيْرَ يَمْسَحُهَا ... رُكْبَانُ مَكَّةَ بَيْنَ الْغِيلِ فَالسَّنَدِ
فَالتَّحْرِيمُ لِصَيْدِ حَيَوَانِ الْبَرِّ، وَلَمْ يُحَرِّمْ صَيْدَ الْبَحْرِ إِذْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ مِسَاحَةِ الْحَرَمِ بَحْرٌ وَلَا نَهْرٌ. ثُمَّ حَرَّمَ الصَّيْدَ عَلَى الْمُحْرِمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، لِأَنَّ الصَّيْدَ إِثَارَةٌ لِبَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ الْآمِنَةِ. وَقَدْ كَانَ الْإِحْرَامُ يَمْنَعُ الْمُحْرِمِينَ الْقِتَالَ وَمُنِعُوا التَّقَاتُلَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ لِأَنَّهَا زَمَنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَأُلْحِقَ مِثْلُ الْحَيَوَانِ فِي الْحُرْمَةِ بِقَتْلِ الْإِنْسَانِ، أَوْ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَنْوِي الْإِحْرَامَ إِلَّا عِنْدَ الْوُصُولِ إِلَى الْحَرَمِ، فَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يَصِيدُ إِلَّا
حَيَوَانَ الْحَرَمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute