للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالصَّيْدُ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُصَادَ وَيُقْتَلَ مِنَ الدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ لِأَكْلِهِ أَوِ الِانْتِفَاعِ بِبَعْضِهِ. وَيُلْحَقُ بِالصَّيْدِ الْوُحُوشُ كُلُّهَا. قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: وَالْوُحُوشُ تُسَمَّى صَيْدًا وَإِنْ لَمْ تُصَدْ بَعْدُ، كَمَا يُقَالُ: بِئْسَ الرَّمِيَّةُ الْأَرْنَبُ، وَإِنْ لَمْ تُرْمَ بَعْدُ. وَخُصَّ مِنْ عُمُومِهِ مَا هُوَ مُضِرٌّ، وَهِيَ السِّبَاعُ الْمُؤْذِيَةُ وَذَوَاتُ السُّمُومِ وَالْفَأْرُ وَسِبَاعُ الطَّيْرِ. وَدَلِيلُ التَّخْصِيصِ السُّنَّةُ.

وَقَصْدُ الْقَتْلِ تَبَعٌ لِتَذَكُّرِ الصَّائِدِ أَنَّهُ فِي حَالِ إِحْرَامٍ، وَهَذَا مَوْرِدُ الْآيَةِ، فَلَوْ نَسِيَ أَنَّهُ مُحْرِمٌ فَهُوَ غَيْرُ مُتَعَمَّدٍ، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ فَأَصَابَهُ فَهُوَ غَيْرُ مُتَعَمِّدٍ. وَلَا وَجْهَ وَلَا دَلِيلَ لِمَنْ تَأَوَّلَ التَّعَمُّدَ فِي الْآيَةِ بِأَنَّهُ تَعَمُّدُ الْقَتْلِ مَعَ نِسْيَانِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ.

وَقَوْلُهُ: وَأَنْتُمْ حُرُمٌ حُرُمٌ جَمْعُ حَرَامٍ، بِمَعْنَى مُحْرِمٍ، مِثْلُ جَمْعِ قَذَالٍ عَلَى قُذُلٍ، وَالْمُحْرِمُ أَصْلُهُ الْمُتَلَبِّسُ بِالْإِحْرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. وَيُطْلَقُ الْمُحْرِمُ عَلَى الْكَائِنِ فِي الْحَرَمِ.

قَالَ الرَّاعِي:

قَتَلُوا ابْنَ عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا أَيْ كَائِنًا فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ. فَأَمَّا الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَهُوَ مَعْلُومٌ، وَأَمَّا الْحُصُولُ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ الْحُلُولُ فِي مَكَانِ الْحَرَمِ مِنْ مَكَّةَ أَوِ الْمَدِينَةِ. وَزَادَ الشَّافِعِيُّ الطَّائِفُ فِي حُرْمَةِ صَيْدِهِ لَا فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى صَائِدِهِ. فَأَمَّا حَرَمُ مَكَّةَ فَيَحْرُمُ صَيْدُهُ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي صَيْدِهِ الْجَزَاءُ. وَأَمَّا حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَيَحْرُمُ صَيْدُهُ وَلَا جَزَاءَ فِيهِ، وَمِثْلُهُ الطَّائِفُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.

وَحَرَمُ مَكَّةَ مَعْلُومٌ بِحُدُودٍ مِنْ قَبْلِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الْحَرَمُ الَّذِي حَرَّمَهُ إِبْرَاهِيمُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَوُضِعَتْ بِحُدُودِهِ عَلَامَاتٌ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَأَمَّا حَرَمُ الْمَدِينَةِ

فَقَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ مَا بَيْنِ عَيْرٍ أَوْ عَائِرٍ (جَبَلٌ) إِلَى ثَوْرٍ» .

قِيلَ: هُوَ جَبَلٌ وَلَا يُعْرَفُ ثَوْرٌ إِلَّا فِي مَكَّةَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: أَكْثَرُ الرُّوَاةِ فِي كِتَابِ «الْبُخَارِيِّ» ذَكَرُوا عَيْرًا، وَأَمَّا ثَوْرٌ فَمِنْهُمْ مَنْ كَنَّى عَنْهُ فَقَالَ: مِنْ عَيْرِ إِلَى كَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ مَكَانَهُ بَيَاضًا لِأَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا ذِكْرَ ثَوْرٍ هُنَا خَطَأً. وَقِيلَ: إِنَّ الصَّوَابَ إِلَى أُحُدٍ كَمَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ. وَقِيلَ: ثَوْرٌ جَبَلٌ صَغِيرٌ وَرَاءَ جَبَلِ أُحُدٍ.

وَقَوْلُهُ: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ إِلَخْ، (مَنْ) اسْمُ شَرْطٍ مُبْتَدَأٌ، وقَتَلَهُ فِعْلُ الشَّرْطِ، ومِنْكُمْ