للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُنْجِي صَاحِبَهُ مِنْ تَبِعَةِ مَا يَقْتَرِفُهُ مِنَ الْجَرَائِمِ وَالْمَفَاسِدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْإِسْلَامِ لِلنَّاسِ جَاءَتْ بِالْإِقْلَاعِ عَنِ الشِّرْكِ وَعَنِ الْمَفَاسِدِ كُلِّهَا. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ يَعْنُونَ خِطَابَ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى مَا نُهُوا عَنِ ارْتِكَابِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُطْلَبُ مِنْهُمُ الْعَمَلُ إِذْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمُ الصَّالِحَاتُ بِدُونِ الْإِيمَانِ، وَلِذَلِكَ رَامَ بَعْضُ أَهْلِ الْأُصُولِ تَخْصِيصَ الْخِلَافِ بِخِطَابِ التَّكْلِيفِ لَا الْإِتْلَافِ وَالْجِنَايَاتِ وَخِطَابِ الْوَضْعِ كُلِّهِ.

وَأَمَّا الْخُلُودُ فِي الْعَذَابِ فَقَدِ اقْتَضَاهُ الْإِشْرَاكُ.

وَقَوْلُهُ: مُهاناً حَالٌ قُصِدَ مِنْهَا تَشْنِيعُ حَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ، أَيْ يُعَذَّبُ وَيُهَانُ إِهَانَةً زَائِدَةً عَلَى إِهَانَةِ التَّعْذِيبِ بِأَنْ يُشْتَمَ وَيُحَقَّرَ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: يُضاعَفْ بِأَلْفٍ بَعْدِ الضَّادِ وَبِجَزْمِ الْفِعْلِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوب يُضاعَفْ بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ وَبِالْجَزْمِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بكر عَن عَاصِمٍ يُضاعَفْ بِأَلْفٍ بَعْدِ الضَّادِ وَبِرَفْعِ الْفِعْلِ عَلَى أَنَّهُ اسْتِئْنَاف بياني.

[٧٠]

[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : آيَة ٧٠]

إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٠)

الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْعُمُومِ الَّذِي أَفَادَتْهُ مَنْ الشَّرْطِيَّةُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ

[الْفرْقَان: ٦٨] . وَالتَّقْدِيرُ: إِلَّا مَنْ تَابَ فَلَا يُضَاعَفُ لَهُ الْعَذَابُ وَلَا يَخْلُدُ فِيهِ، وَهَذَا تَطْمِينٌ لِنُفُوسِ فَرِيقٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ قَدْ كَانُوا تَلَبَّسُوا بِخِصَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ ثُمَّ تَابُوا عَنْهَا بِسَبَبِ تَوْبَتِهِمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي دَعْوَتِهِمْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ بَعْدَ الْعُنْوَانِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ ثَنَاءٌ زَائِدٌ.

وَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً فَنَزَلَتْ: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ [الْفرْقَان: ٦٨] الْآيَةَ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ مِنْ عَذَابِ الذُّنُوبِ الَّتِي تَابَ مِنْهَا، وَلَا يَخْطُرُ بِالْبَالِ أَنَّهُ