[سُورَة الْحَج (٢٢) : آيَة ٢٦]
وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ [الْحَج: ٢٥] عَطْفُ قِصَّةٍ عَلَى قِصَّةٍ.
وَيُعْلَمُ مِنْهَا تَعْلِيلُ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ عَلَيْهَا بِأَنَّ الْمُلْحِدَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَدْ خَالَفَ بِإِلْحَادِهِ فِيهِ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ من تَطْهِيره حَتَّى أَمَرَ بِبِنَائِهِ، وَالتَّخَلُّصُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى إِثْبَاتِ ظُلْمِ الْمُشْرِكِينَ وَكُفْرَانِهِمْ نِعْمَةَ اللَّهِ فِي إِقَامَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَتَشْرِيعِ الحجّ.
و (إِذْ) اسْمُ زَمَانٍ مُجَرَّدٌ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ فَهُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ عَلَى مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ فِي أَمْثَالِهِ. وَالتَّقْدِيرُ: وَاذْكُرْ إِذْ بَوَّأْنَا، أَيِ اذْكُرْ زَمَانَ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ فِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [الْبَقَرَة: ٣٠] ، أَيِ اذْكُرْ ذَلِكَ الْوَقْتَ الْعَظِيمَ، وَعُرِفَ مَعْنَى تَعْظِيمِهِ مِنْ إِضَافَةِ اسْمِ الزَّمَانِ إِلَى الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ دُونَ الْمَصْدَرِ فَصَارَ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ مِنَ التَّجَدُّدِ كَأَنَّهُ زَمَنٌ حَاضِرٌ.
وَالتَّبْوِئَةُ: الْإِسْكَانُ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها [يُوسُف: ٥٦] .
وَالْمَكَانُ: السَّاحَةُ مِنَ الْأَرْضِ وَمَوْضِعٌ لِلْكَوْنِ فِيهِ، فَهُوَ فِعْلٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْكَوْنِ، فَتَبْوِئَتُهُ الْمَكَانَ: إِذْنُهُ بِأَنْ يَتَّخِذَهُ مَبَاءَةً، أَيْ مَقَرًّا يَبْنِي فِيهِ بَيْتًا، فَوَقَعَ بِذِكْرِ مَكانَ إِيجَازٌ فِي الْكَلَامِ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَإِذْ أَعْطَيْنَاهُ مَكَانًا لِيَتَّخِذَ فِيهِ بَيْتًا، فَقَالَ: مَكَانَ الْبَيْتِ، لِأَنَّ هَذَا حِكَايَةٌ عَنْ قِصَّةٍ مَعْرُوفَةٍ لَهُمْ. وَسَبَقَ ذِكْرُهَا فِيمَا نَزَلَ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْقُرْآنِ.
وَاللَّامُ فِي لِإِبْراهِيمَ لَامُ الْعِلَّةِ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ مَفْعُولٌ أَوَّلُ لِ بَوَّأْنا الَّذِي هُوَ مِنْ بَابِ أَعْطَى، فَاللَّامُ مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِمْ: شَكَرْتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute