وَفِي زَمَانٍ أَنْجَاكُمْ فِيهِ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ بواسطتي، فابتغاء إلاه غَيْرِهِ كُفْرَانٌ لِنِعْمَتِهِ، فَضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ الْمُشَارِكِ يَعُودُ إِلَى اللَّهِ وَمُوسَى، وَمَعَادُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً [الْأَعْرَاف: ١٤٠] .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا امْتِنَانًا مِنَ اللَّهِ اعْتَرَضَهُ بَيْنَ الْقِصَّةِ وَعِدَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ انْتِقَالًا مِنَ الْخَبَرِ وَالْعِبْرَةِ إِلَى النِّعْمَةِ وَالْمِنَّةِ، فَيَكُونُ الضَّمِيرُ ضَمِيرَ تَعْظِيمٍ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:
أَنْجَيْناكُمْ بِنُونِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُشَارِكِ، وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ: وَإِذْ أَنْجَاكُمْ عَلَى إِعَادَةِ الضَّمِيرِ إِلَى اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً [الْأَعْرَاف: ١٤٠] ، وَكَذَلِكَ هُوَ مَرْسُومٌ فِي مُصْحَفِ الشَّامِ فَيَكُونُ مِنْ كَلَامِ مُوسَى وَبِمَجْمُوعِ الْقِرَاءَتَيْنِ يَحْصُلُ الْمَعْنَيَانِ.
وإِذْ اسْمُ زَمَانٍ، وَهُوَ مَفْعُولٌ بِهِ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَاذْكُرُوا.
وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ خِطَابًا لِلْيَهُودِ الْمَوْجُودِينَ فِي زمن مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَكُونُ ابْتِدَاءَ خِطَابٍ افْتُتِحَ بِكَلِمَةِ (إِذْ) ، وَالتَّعْرِيضُ بِتَذْكِيرِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ قَدِ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ: وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ [الْأَعْرَاف: ١٤٠] وَسُورَةُ الْأَعْرَافِ مَكِّيَّةٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَكِّيِّ مِنَ الْقُرْآنِ هُوَ مُجَادَلَةٌ مَعَ الْيَهُودِ.
وَقَوْلُهُ: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مُشَابِهَتِهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
[١٤٢]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ١٤٢]
وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (١٤٢)
وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.
عَوْدٌ إِلَى بَقِيَّةِ حَوَادِثِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِمُ الْبَحْرَ، فَالْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ [الْأَعْرَاف: ١٣٨] .
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى الْمُوَاعَدَةِ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو: وَوَعَدْنَا. وَحَذَفَ الْمَوْعُودَ بِهِ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ فِي قَوْلِهِ: ثَلاثِينَ لَيْلَةً إِلَخْ، وثَلاثِينَ مَنْصُوبٌ عَلَى النِّيَابَةِ عَنِ الظَّرْفِ، لِأَنَّ تَمْيِيزَهُ ظَرْفٌ لِلْمُوَاعَدِ بِهِ وَهُوَ الْحُضُورُ لِتَلَقِّي الشَّرِيعَةِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ واعَدْنا لِأَنَّ الْمُوَاعَدَةَ لِلِقَاءٍ فَالْعَامِلُ واعَدْنا بِاعْتِبَارِ الْمُقَدَّرِ، أَيْ حُضُورًا مُدَّةَ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ مُدَّةَ الْمُنَاجَاةِ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً تَيْسِيرًا عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَضَاهَا وَزَادَتْ نَفْسُهُ الزَّكِيَّةُ