للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ السَّبْحَ بِالْفَرَاغِ، أَيْ لِيَنَامَ فِي النَّهَارِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قَالَ: فَرَاغًا طَوِيلًا لِحَوَائِجِكَ فَافْرَغْ لِدِينِكَ بِاللَّيْلِ.

وَالطَّوِيلُ: وَصْفٌ مِنَ الطُّولِ، وَهُوَ ازْدِيَادُ امْتِدَادِ الْقَامَةِ أَوِ الطَّرِيقِ أَوِ الثَّوْبِ عَلَى مَقَادِيرِ أَكْثَرِ أَمْثَالِهِ. فَالطُّولُ مِنْ صِفَاتِ الذَّوَاتِ، وَشَاعَ وَصْفُ الزَّمَانِ بِهِ يُقَالُ: لَيْلٌ طَوِيلٌ

وَفِي الْحَدِيثِ «الشِّتَاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ قَصُرَ نَهَارُهُ فَصَامَهُ وَطَالَ لَيْلُهُ فَقَامَهُ»

. وَأما وَصْفُ السَّبْحِ بِ (طَوِيلٍ) فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَهُوَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ لِأَنَّ الطَّوِيلَ هُوَ مَكَانُ السَّبْحِ وَهُوَ الْمَاءُ الْمَسْبُوحُ فِيهِ. وَبَعْدَ هَذَا فَفِي قَوْلِهِ طَوِيلًا تَرْشِيحٌ لِاسْتِعَارَةِ السَّبْحِ لِلْعَمَلِ فِي النَّهَار.

[٨- ٩]

[سُورَة المزمل (٧٣) : الْآيَات ٨ إِلَى ٩]

وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (٩)

عُطِفَ عَلَى قُمِ اللَّيْلَ [المزمل: ٢] وَقُصِدَ بِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ عَنْ تَعْيِينِ زَمَانٍ إِلَى إِفَادَةِ تَعْمِيمِهِ، أَيْ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ فِي اللَّيْلِ وَفِي النَّهَارِ كَقَوْلِهِ: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الْإِنْسَان: ٢٥] .

وَإِقْحَامُ كَلِمَةِ اسْمَ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ ذِكْرُ اللِّسَانِ وَهُوَ جَامِعٌ لِلتَّذَكُّرِ بِالْعَقْلِ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ تَجْرِي عَلَى حَسَبِ مَا فِي النَّفْسِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ [الْأَعْرَاف: ٢٠٥] .

وَالتَّبَتُّلُ: شِدَّةُ الْبَتْلِ، وَهُوَ مَصْدَرُ تَبَتَّلَ الْقَاصِرُ الَّذِي هُوَ مُطَاوع بتّله ف تَبَتَّلْ وَهُوَ هُنَا لِلْمُطَاوَعَةِ الْمَجَازِيَّةِ يُقْصَدُ مِنْ صِيغَتِهَا الْمُبَالَغَةُ فِي حُصُولِ الْفِعْلِ حَتَّى كَأَنَّهُ فَعَلُهُ غَيْرُهُ بِهِ

فَطَاوَعَهُ، وَالتَّبَتُّلُ: الِانْقِطَاعُ وَهُوَ هُنَا انْقِطَاعٌ مَجَازِيٌّ، أَيْ تَفَرُّغُ الْبَالِ وَالْفِكْرِ إِلَى مَا يُرْضِي اللَّهَ، فَكَأَنَّهُ انْقَطَعَ عَنِ النَّاسِ وَانْحَازَ إِلَى جَانِبِ اللَّهِ فَعُدِّيَ بِ «إِلَى» الدَّالَّةِ عَلَى الِانْتِهَاءِ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

مَنَارَةُ مَمْسَى رَاهِبٍ مُتَبَتِّلِ وَالتَّبْتِيلُ: مَصْدَرُ بَتَّلَ الْمُشَدَّدِ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ مِثْلَ التَّقْطِيعِ.