للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَحْسِنُوا الْإِحْسَانُ فِعْلُ النَّافِعِ الْمُلَائِمِ، فَإِذَا فَعَلَ فِعْلًا نَافِعًا مُؤْلِمًا لَا يَكُونُ مُحْسِنًا فَلَا تَقُولَ إِذَا ضَرَبْتَ رَجُلًا تَأْدِيبًا: أَحْسَنْتُ إِلَيْهِ وَلَا إِذَا جَارَيْتَهُ فِي مَلَذَّاتٍ مُضِرَّةٍ أَحْسَنْتُ إِلَيْهِ، وَكَذَا إِذَا فَعَلَ فِعْلًا مُضِرًّا مُلَائِمًا لَا يُسَمَّى مُحْسِنًا.

وَفِي حَذْفِ مُتَعَلِّقِ أَحْسِنُوا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْإِحْسَانَ مَطْلُوبٌ فِي كُلِّ حَالٍ وَيُؤَيِّدُهُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ»

. وَفِي الْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَمْرِ بِالِاعْتِدَاءِ عَلَى الْمُعْتَدِي وَالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْإِلْقَاءِ بِالْيَدِ إِلَى التَّهْلُكَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ هَاتِهِ الْأَحْوَالِ يُلَابِسُهَا الْإِحْسَانُ وَيَحُفُّ بِهَا، فَفِي الِاعْتِدَاءِ يَكُونُ الْإِحْسَانُ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ الْحُدُودِ وَالِاقْتِصَادِ فِي الِاعْتِدَاءِ وَالِاقْتِنَاعِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الصَّلَاحُ الْمَطْلُوبُ، وَفِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَكُونُ الْإِحْسَانُ بِالرِّفْقِ بِالْأَسِيرِ وَالْمَغْلُوبِ وَبِحِفْظِ أَمْوَالِ الْمَغْلُوبِينَ وَدِيَارِهِمْ مِنَ التَّخْرِيبِ وَالتَّحْرِيقِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: «مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ» ، وَالْحَذَرُ مِنَ الْإِلْقَاءِ بِالْيَدِ إِلَى التَّهْلُكَةِ إِحْسَانٌ.

وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ تَذْيِيلٌ لِلتَّرْغِيبِ فِي الْإِحْسَانِ، لِأَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ عَبْدَهُ غَايَةُ مَا يَطْلُبُهُ النَّاسُ إِذْ مَحَبَّةُ اللَّهِ الْعَبْدَ سَبَبَ الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ دُنْيَا وَآخِرَةً، وَاللَّامُ لِلِاسْتِغْرَاقِ الْعُرْفِيِّ وَالْمُرَادُ الْمُحْسِنُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

[١٩٦]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ١٩٦]

وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٩٦)

وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ.

هَذَا عَوْدٌ إِلَى الْكَلَامِ عَلَى الْعُمْرَةِ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها [الْبَقَرَة: ١٨٩] إِلَخْ وَمَا بَيْنَهُمَا اسْتِطْرَادٌ أَوِ اعْتِرَاضٌ، عَلَى أَنَّ عَطْفَ الْأَحْكَامِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ لِلْمُنَاسَبَةِ طَرِيقَةٌ قُرْآنِيَّةٌ فَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ عَطْفًا عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا عَطْفَ قِصَّةٍ عَلَى قِصَّةٍ.

وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ حِينَ صَدَّ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْبَيْتِ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وَقَدْ كَانُوا نَاوِينَ الْعُمْرَةَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ الْحَجُّ،