للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

َالْمُرَادُ بِ النُّذُرُ آيَاتُ الْقُرْآنِ، جُعِلَتْ كُلُّ آيَةٍ كَالنَّذِيرِ: وَجُمِعَتْ عَلَى نُذُرٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ نَذِيرٍ بِمَعْنَى الْإِنْذَارِ اسْمَ مَصْدَرٍ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى فِي آخِرِ سُورَةِ النَّجْمِ [٥٦] .

[٦- ٨]

[سُورَة الْقَمَر (٥٤) : الْآيَات ٦ الى ٨]

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨)

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ.

تَفْرِيعٌ على فَما تُغْنِ النُّذُرُ [الْقَمَر: ٥] ، أَيْ أَعْرِضْ عَنْ مُجَادَلَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا تُفِيدُهُمُ النُّذُرُ كَقَوْلِهِ: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا [النَّجْم: ٢٩] ، أَيْ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ فَمَا أَنْت بمسؤول عَنِ اسْتِجَابَتِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ [الذاريات: ٥٤] . وَهَذَا تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَطْمِينٌ لَهُ بِأَنَّهُ مَا قَصَّرَ فِي أَدَاءِ الرِّسَالَةِ. وَلَا تَعَلُّقَ لِهَذِهِ الْآيَةِ بِأَحْكَامِ قِتَالِهِمْ إِذْ لَمْ يَكُنِ السِّيَاقُ لَهُ وَلَا حَدَثَتْ دَوَاعِيهِ يَوْمَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ.

يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّوَلِّي مُؤْذِنٌ بِغَضَبٍ وَوَعِيدٍ فَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُثِيرَ فِي نَفْسِ السَّامِعِ تَسَاؤُلًا عَنْ مُجْمَلِ هَذَا الْوَعِيدِ. وَهَذَا الِاسْتِئْنَافُ وَقَعَ مُعْتَرِضًا بَيْنَ جُمْلَةِ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ [الْقَمَر: ٤] وَجُمْلَةِ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ [الْقَمَر: ٩] .

وَإِذْ قَدْ كَانَ الْمُتَوَعَّدُ بِهِ شَيْئًا يَحْصُلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قُدِّمَ الظَّرْفُ عَلَى عَامِلِهِ وَهُوَ يَقُولُ الْكافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ لِيَحْصُلَ بِتَقْدِيمِهِ إِجْمَالٌ يُفَصِّلُهُ بَعْضُ التَّفْصِيلِ مَا يُذْكَرُ بَعْدَهُ، فَإِذَا سَمِعَ السَّامِعُ هَذَا الظَّرْفَ عَلِمَ أَنَّهُ ظَرْفٌ لِأَهْوَالٍ تُذْكَرُ بَعْدَهُ هِيَ تَفْصِيلُ مَا أَجْمَلَهُ قَوْلُهُ:

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ مِنَ الْوَعِيدِ بِحَيْثُ لَا يَحْسُنُ وَقْعُ شَيْءٍ مِمَّا فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ هَذَا الْمَوْقِعَ غَيْرِ هَذَا الظَّرْفِ، وَلَوْلَا تَقْدِيمُهُ لَجَاءَ الْكَلَامُ غَيْرَ مَوْثُوقِ الْعُرَى، وَانْظُرْ كَيْفَ جَمَعَ فِيمَا بَعْدُ قَوْلَهُ: يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ كَثِيرًا مِنَ الْأَهْوَالِ