للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَوْضِعِ الْوَصْفِ فَالْأَكْثَرُ حِينَئِذٍ أَنْ يُخَصَّ بِقَرِيبِ زَوْجِ الرَّجُلِ، وَأَمَا قَرِيبُ زَوْجِ الْمَرْأَةِ فَهُوَ خَتَنٌ لَهَا أَوْ حَمٌ. وَلَا يَخْلُو أَحَدٌ عَنْ آصِرَةِ صِهْرٍ وَلَوْ بَعِيدًا. وَقَدْ أَشَارَ إِلَى مَا فِي هَذَا الْخَلْقِ الْعَجِيبِ مِنْ دَقَائِقِ نِظَامِ إِيجَادٍ طَبِيعِيٍّ وَاجْتِمَاعِيٍّ بِقَوْلِهِ: وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً، أَيْ عَظِيمَ الْقُدْرَةِ إِذْ أَوْجَدَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ خَلْقًا عَظِيمًا صَاحِبَ عَقْلٍ وَتَفْكِيرٍ فَاخْتُصَّ بِاتِّصَالِ أَوَاصِرِ النَّسَبِ وَأَوَاصِرِ الصِّهْرِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَصْلَ نِظَامِ الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ لِتَكْوِينِ الْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَتَعَاوُنِهِمْ مِمَّا جَاءَ بِهَذِهِ الْحَضَارَةِ الْمُرْتَقِيَةِ مَعَ الْعُصُورِ وَالْأَقْطَارِ قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا [الحجرات: ١٣] .

وَفِي تَرْكِيبِ وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً مِنْ دَقِيقِ الْإِيذَانِ بِأَنَّ قُدْرَتَهُ رَاسِخَةٌ وَاجِبَةٌ لَهُ مُتَّصِفٌ بِهَا فِي الْأَزَلِ بِمَا اقْتَضَاهُ فِعْلُ كانَ، وَمَا فِي صِيغَةِ «قَدِيرٍ» مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى قُوَّةِ الْقُدْرَةِ الْمُقْتَضِيَةِ تَمَامَ الْإِرَادَة وَالْعلم.

[٥٥]

[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : آيَة ٥٥]

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (٥٥)

الْوَاوُ لِلْحَالِ، وَهَذَا مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ مِنِ اسْتِمْرَارِهِمْ فِي الشِّرْكِ، أَعْقَبَ ذِكْرَ مَا نَفَعَ اللَّهُ بِهِ النَّاسَ مِنْ إِلْطَافِهِ بِهِمْ فِي تَصَارِيفِ الْكَائِنَاتِ إِذْ جَعَلَ لَهُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَخَلَقَ لَهُمُ الْمَاءَ فَأَنْبَتَ بِهِ الزَّرْعَ وَسَقَى بِهِ النَّاسَ وَالْأَنْعَامَ، مَعَ مَا قَارَنَهُ مِنْ دَلَائِلِ الْقُدْرَةِ بِذِكْرِ عِبَادَتِهِمْ مَا لَا يَنْفَعُ النَّاسَ عَوْدًا إِلَى حِكَايَةِ شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ مُشْرِكِي مَكَّةَ.

وَنَفْيُ الضُّرِّ بَعْدَ نَفْيِ النَّفْعِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى انْتِفَاءِ شُبْهَةِ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ فِي شِرْكِهِمْ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعِبَادَةِ إِمَّا رَجَاءُ النَّفْعِ وَإِمَّا اتِّقَاءُ ضُرِّ الْمَعْبُودِ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ عَنِ الْأَصْنَامِ بِالْمُشَاهَدَةِ.

وَالتَّعْبِيرُ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَجَدُّدِ عِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ وَعَدَمِ إِجْدَاءِ الدَّلَائِلِ الْمُقْلَعَةِ عَنْهَا فِي جَانِبِهِمْ.

وَجُمْلَةُ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً تَذْيِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ، فَاللَّامُ فِي تَعْرِيفِ الْكافِرُ لِلِاسْتِغْرَاقِ، أَيْ كُلُّ كَافِرٍ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرٌ.