الْبَقَرَةِ بِسِنِينَ إِنْ كَانَتِ السُّورَةُ مَكِّيَّةً أَوْ بِمُدَّةٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ إِنْ كَانَتِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةً، فَلَيْلَةُ الْقَدْرِ الْمُرَادَةُ هَنَا كَانَتْ فِي رَمَضَانَ وَتَأَيَّدَ ذَلِكَ بِالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ مِنْ كَوْنِهَا مِنْ لَيَالِي رَمَضَانَ فِي كُلِّ سَنَةٍ.
وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ اللَّيْلَةَ الَّتِي أُنْزِلَ فِيهَا الْقُرْآنُ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَت لَيْلَة سبع عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ. وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الْآيَات عقب هَذِه الْكَلَامِ فِي هَلْ لَيْلَةٌ ذَاتُ عَدَدٍ مُتَمَاثِلٍ فِي جَمِيعِ الْأَعْوَامِ أَوْ تَخْتَلِفُ فِي السِّنِينَ؟ وَفِي هَلْ تَقَعُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ جَمِيعِ لَيَالِي رَمَضَانَ أَوْ لَا تَخْرُجُ عَنِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْهُ؟ وَهَلْ هِيَ مَخْصُوصَةٌ بِلَيْلَةِ وَتْرٍ كَمَا كَانَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَوْ لَا تَخْتَصُّ بِذَلِكَ؟
وَالْمَقْصُودُ مِنْ تَشْرِيفِ اللَّيْلَةِ الَّتِي كَانَ ابْتِدَاءُ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ فِيهَا تَشْرِيفٌ آخَرُ لِلْقُرْآنِ بِتَشْرِيفِ زَمَانِ ظُهُورِهِ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى اخْتَارَ لِابْتِدَاءِ إِنْزَالِهِ وَقْتًا شَرِيفًا مُبَارَكًا لِأَنَّ عِظَمَ قَدْرِ الْفِعْلِ يَقْتَضِي أَنْ يَخْتَارَ لِإِيقَاعِهِ فَضْلَ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمْكِنَةِ، فَاخْتِيَارُ فَضْلِ الْأَوْقَاتِ لابتداء إنزاله ينبىء عَنْ عُلُوِّ قَدْرِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ: لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ
[الْوَاقِعَة:
٧٩] عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُرَادِ من المطهرين.
[٢]
[سُورَة الْقدر (٩٧) : آيَة ٢]
وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢)
تَنْوِيهٌ بِطَرِيقِ الْإِبْهَامِ الْمُرَادِ بِهِ أَنَّ إِدْرَاكَ كُنْهِهَا لَيْسَ بِالسَّهْلِ لِمَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ مِنَ الْفَضَائِلِ الْجَمَّةِ.
وَكَلِمَةُ (مَا أَدْرَاكَ مَا كَذَا) كَلِمَةٌ تُقَالُ فِي تَفْخِيمِ الشَّيْءِ وَتَعْظِيمِهِ، وَالْمَعْنَى: أَيُّ شَيْءٍ يُعَرِّفُكَ مَا هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، أَيْ يَعْسُرُ عَلَى شَيْءٍ أَنْ يُعَرِّفَكَ مِقْدَارَهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْهَا، قَوْلُهُ: وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ فِي سُورَةِ الِانْفِطَارِ [١٧] قَرِيبًا. وَالْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ.
وَأُعِيدَ اسْمُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّذِي سَبَقَ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ: فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [الْقَدْرِ: ١] عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ لِأَنَّ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ الْإِضْمَارُ، فَقَصَدَ الِاهْتِمَامَ بِتَعْيِينِهَا، فَحَصَلَ تَعْظِيمُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ صَرِيحًا، وحصلت كِنَايَة عَنْ تَعْظِيمِ مَا أُنْزِلَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ إِنْزَالَهُ فِيهَا ليتطابق الشرفان.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute